شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٥
الفصل الرابع في الجوهر والعرض على طريقة أهل الله (1) اعلم، انك إذا أمعنت النظر في حقايق الأشياء وجدت بعضها مكتنفة بالعوارض وبعضها تابعة لا حقة لها، والمتبوعة هي الجواهر والتابعة هي الاعراض، ويجمعهما الوجود إذ هو المتجلي بصورة كل منهما. والجواهر متحدة في عين الجوهر فهو حقيقة واحدة هي مظهر الذات الإلهية من حيث قيوميتها وحقيقتها، كما ان العرض مظهر الصفات التابعة لها.
الا ترى كما ان الذات الإلهية لا تزال محتجبة بالصفات فكذلك الجوهر لا يزال مكتنفا بالأعراض، وكما ان الذات مع انضمام صفة من صفاتها اسم من الأسماء، كلية كانت أو جزئية، كذلك الجوهر مع انضمام معنى من المعاني الكلية إليه يصير جوهرا خاصا مظهرا لاسم خاص من الأسماء الكلية بل عينه، و بانضمام معنى من المعاني الجزئية يصير جوهرا جزئيا كالشخص، وكما انه من اجتماع الأسماء الكلية تتولد أسماء آخر كذلك من اجتماع الجواهر البسيطة يتولد جواهر آخر مركبة منها، وكما ان الأسماء بعضها محيطة بالبعض كذلك

(١) - خلاصة الفصل، ان الجوهر على طريقة أهل الله هو الوجود العام المنبسط، وأنواعه هي مراتب نزوله وتجلياته، وجنسيته هي من المعقولات الثانية العارضة له وكذلك نوعية أنواعه وفصلية فصوله. والاعراض هي مظاهر تجليات الحق بصفاته المتكثرة. وبينها بما ذكره في الفصل تأييدا لمشاهداتهم. وفي هذا التنبيه أراد ان ينبه على حقيقة مذهبهم بلسان أهل النظر، فلننبه على مراده بقوله: (اعلم...). وخلاصة التنبيه، ان الجوهر عين افراده في الخارج، وحقيقة كل شئ وجوده، فحقيقة افراده هي وجودات افراده فحقيقة الجوهر هي عين وجودات افراده، بحكم جنسية الجوهر لافراده، و هي الوجود العام المنبسط بحكم بطلان تكثر الوجودات بالذات. ويرد على قوله، ان الجوهر عين افراده في الخارج، انه عين افراده لو كان جنسا لها ولا نسلم جنسيته لها بل نقول هو عرض عام لها. أجاب عنه بان العرض العام أيضا عين افراده بحمله عليها بهو هو، و لو كان عرضا عاما خارجا عنها لم يحمل بهو هو عليها. أقول توضيحا لكلامه، ان العرض يستعمل في ايساغوجى و يستعمل في قاطيغورياس. والأول عين افراده في الخارج لحمله عليها بهو هو، والثاني خارج عن الافراده لعدم حمله عليها بهو هو وحمله عليها بالاشتقاق.
والجوهر بحكم حمله عليها بهو هو عين افراده، سواء كان جنسا لها، كما ذهب إليه طائفة، أو كان عرضا عاما لها، كما ذهب إليه طائفة أخرى، فان كان عرضا عاما كان عرضا ايساغوجيا لا عرضا قاطيغورياسيا وبعينيته لافراده ثبت المطلوب. أقول، وفيه نظر، لان الحمل بحسب الماهية لا بحسب الوجود كما سيصرح به، وإذا كان الحمل ما هويا كيف يكون العرض العام عين الافراد؟ ويمكن دفعه بان العرض العام يحمل على الجنس بهو هو لكونه من ظهوراته، كما سيظهر، والحمل ما هوى فحمله على الافراد أيضا ما هوى، ثم أبطل كونها عرضا عاما قاطيغورياسيا بقوله: (وأيضا لو كانت الطبيعة الجوهرية عرضا عاما خارجا) إلى قوله: (وهو المطلوب) وأراد بقوله (خارجا) كونه عرضا قاطيغورياسيا فإنه هو الخارج. ثم زاد البيان واستأنف البرهان على عينيته لافراده وساق الكلام بقوله:
(وأيضا لو لم يكن الجوهر عين كل ما يصدق عليه من الجزئيات في الخارج) إلى ان قال:
(فتعين ان يكون عين افراده في الخارج). قوله: (فالامتياز بينها بالاعراض الخاصة). لما ثبت ان الجوهر عين افراده. بقى الكلام في ان امتيازه بماذا، فقال بالاعراض الخاصة والعرض هو ايساغوجي. وعلل ذلك بان لا شئ هناك الا الجوهر والافراد والجوهر ما به الاشتراك والافراد ما به الامتياز فهو بالاعراض التي يتحقق به الافراد. قوله:
(لا يقال...) تقرير السؤال ظاهر. قوله: (لأنا نقول...). حاصل الجواب، التزام ان نسبة الأنواع إلى الجنس كنسبة الاشخاص إلى النوع والفرق بينهما ان الأنواع متمايزة بالاعراض الكلية والاشخاص متمايزة بالاعراض الجزئية، والمراد بالاعراض أيضا الاعراض الايساغوجية، وتخالف الأنواع تخالف نوعي وتخالف الاشخاص تخالف شخصي وكلاهما بالذات والحقيقة بلا تفاوت. قوله: (ا لا ترى...). لما قال، امتياز الأنواع كامتياز الاشخاص بالاعراض ويوهم ذلك ان يكون أنواع الجواهر مركبة من الجوهر والعرض فأراد دفع ذلك التوهم. ونحن نسوق الكلام في تحقيق المقام ثم نبين فحوى كلامه فنقول: قد عرفت في تضاعيف الدروس باللوامع القلبية والبراهين العقلية ان الذات الإلهية، الأحدية بوحدته الصرفة عين جميع الكمالات الوجوبية والصفات الألوهية وعلمه بنفس ذاته علمه بجميع كمالاته بل علمه بذاته عين علمه بجميع الأشياء في مرتبة الأحدية الذاتية، وأسماؤه الحسنى وصفاته العليا وصورها التي هي الأعيان الثابتة للأشياء شؤونه الذاتية المندمجة فيه اندماج الأوراق والأغصان في النواة والحبات، ولما أراد على حسب الحب الذاتي اللازم من مشاهدة جماله الأتم وجلاله الأرفع ان يشاهد صفاته العليا وأسمائه الحسنى على وجه التكثر والامتياز فتجلى في ملابس أوصافه على سبيل التفصيل والتمايز وبحسب تمايز الصفات يتمايز الأسماء. وقد علمت ان الجوهر مظهر ذاته والاعراض مظاهر صفاته، فكما ان صفاته مندمجة في ذاته فكذلك الاعراض التي هي مظاهر صفاته مندمجة في ذاته فكذلك الاعراض التي هي مظاهر صفاته مندمجة في الجوهر الذي هو مظهر ذاته، وكما ان صفاته المتمايزة تجليات ذاته الأقدس، كذلك الاعراض تجليات الجوهر الذي هو الفيض المقدس، وكما ان بصفاته المتمايزة يتمايز الأسماء كذلك بالاعراض وهي المذكورة في قاطيغورياس يتمايز الاعراض العامة والخاصة للجوهر، وهي المذكورة في ايساغوجي، وكما ان الصفات مبادئ ظهور أسمائه لا مبادئ تحققها كذلك الاعراض المقولية مبادئ ظهور الاعراض الايساغوجي لا مبادئ تحققها فالنطق، مثلا، مبدأ ظهور ناطقية الحيوان لا مبدء تحقق ناطقيته كما ان العلم مبدء ظهور عالمية الحق لا مبدأ تحققها، ومن هذا البيان يظهر ان مراد من قال ان مبدأ الاشتقاق غير مأخوذ في المشتق ماذا. وإذا عرفت ذلك عرفت ان الانسان هو الحيوان الناطق لا الحيوان والنطق، وبضم النطق إلى الحيوان لا يصير الحيوان ناطقا بل ضمه يوجب ظهور انه ناطق. ولا يلزم تركب الجوهر الذي هو الانسان من الجوهر الذي هو الحيوان والنطق الذي هو العرض. إذا علمت ذلك لنصرف عنان القلم إلى فحوى عبارات الكتاب.
فقوله: (ا لا ترى ان الحيوان) إلى قوله: (ولا يلزم تركب الجوهر). إشارة إلى ان العرض المقولي سبب ظهور العرض الايساغوجي وقوله: (ولا يلزم تركب الجوهر من الجوهر والعرض) إشارة إلى أن الانسان هو الحيوان الناطق لا الحيوان مع النطق، كما ان الشخص هو الانسان المتشخص لا الانسان مع التشخص. والاشخاص مندمجة في النوع كما ان الأنواع مندمجة في الجنس. وقوله: (والفرق...) إشارة إلى تفارق المشخصات والمنوعات لكلية أحدهما وجزئية الآخر، وقوله: (وكون الناطق محمولا على الانسان...) إشارة إلى ان ماهية النوع عين ماهية الجنس الظاهرة بنوعيته. وقوله: (لان حمل ماهية على غيرها...) تعليل للحكم المذكور. وما في الفصل ظاهر لا يحتاج إلى التطويل في الكلام. وانما فصل الكلام لان هذا التنبيه من المواضع المعضلة للكتاب مع ما فيه من الفوائد (للأستاذ المحقق ميرزا محمد رضا، سلمه الله تعالى. فانظر أيها الناظر في كلام المحشى العظيم ليظهر لك كمال غوره وسعة اطلاعه ولم أر من فهم كلام الشارح العلامة القيصري في هذا الموضع غير هذا العارف العلام. ولعمري ان استاذنا الأقدم أدق نظرا وأكثر تضلعا من المؤلف ويمتاز عنه في العلوم النظرية والحكمة البحثية ولذا قيل: انه لا نظير له).
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 75 76 77 78 79 80 ... » »»