شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٨٩
(ومعنى (لهداكم) لبين لكم. وما كل ممكن من العالم فتح الله عين بصيرته لإدراك الأمر في نفسه على ما هو عليه، فمنهم العالم والجاهل). هذا كجواب آخر للسؤال. وتقريرة: ليس المراد من الهداية هنا الإيمان بالرسل، كما سبق على الذهن، ليرد السؤال، بل معناه: لو شاء، لبين لكم حقيقة الأمر بالكشف و رفع الحجاب عن عيون قلوبكم، لتذكروا الأمر على ما هو عليه، فتعلموا أن أعيان بعضكم اقتضت الإيمان، وأعيان بعض الآخر اقتضت الكفر، فتكون الحجة لله عليكم. ولكن ليس كل واحد من أهل العالم بحيث يمكن أن ينفتح عين قلبه ليدرك الأمر في نفسه، لأن منهم عالم ومنهم جاهل بحكم اقتضاء الأعيان ذلك. وإنما قال: (فتح الله عين بصيرته) وأسند (الفتح) إلى (الله) لأنه تعالى يفتح عين بصيرة شخص باقتضاء عين ذلك الشخص الفتح، كما يغطى على الآخر باقتضاء عينه الغطاء. وفي تفسير قوله: (لهداكم) بقوله: (لبين لكم) تنبيه على أن الهداية الحقيقية هو حصول العلم اليقيني بما هو الأمر عليه في ذاته (فما شاء، فما هداهم أجمعين، ولا يشاء) أي، فما شاء هداية الكل لعدم إعطاء بعض الأعيان الهداية، فما هداهم. ولا يشاء هداية الجميع أبدا. فإن شؤون الحق كما تقتضي الهداية، كذلك تقتضي الضلالة، بل نصف شؤونه يترتب على الضلالة، كما يترتب النصف الآخر (15) على الهداية (16) ولذلك قسم الدار

(١٥) - ليس مراده من (النصف) النصف الاصطلاحي، لأن الأسماء المقتضية للرحمة غالبة، والأسماء الجلالية مغلوبة، بل موجودة بالعرض. ومآل الكل إلى الرحمة. (ج) (١٦) - قوله: (بل نصف شؤونه...). لا يخفى أن سبق الرحمة على الغضب يقتضى أن يكون شأن الهداية غالبا وحاكما على شأن الضلالة، فلهذا قال الشيخ في الفتوحات:
بسم الله الرحمن الرحيم ظهر الوجود. وقال أيضا: إن أرحم الراحمين يشفع عند المنتقم و يصير الأمر على مقتضاه. هذا بالنظر إلى التكثير، وإلا فبالنظر إلى التوحيد ففي كل الأسماء ينطوي الكل، فهو أول من حيث هو آخر، وآخر من حيث هو أول، وفي كل جمال جلال، وفي كل جلال جمال. كما فصلنا ذلك في بعض رسائلنا وشرحنا لبعض الأدعية. (الامام الخميني مد ظله).
(٥٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 584 585 586 587 588 589 590 591 592 593 594 ... » »»