شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٨٧
حال ثبوته) (13) إنما أورد السؤال للتنبيه على سر القدر في الجواب. والسؤال أنه:
لما كان الحاكم علينا أعياننا، وليس للحق إلا إفاضة الوجود على حسب مقتضى الأعيان، فما فائدة قوله: (فلو شاء لهديكم أجمعين). وجوابه: أن (لو) حرف لامتناع الشئ لامتناع غيره. ولما كانت الأعيان متفاوتة الاستعداد: بعضها قابلة

(13) - قوله: (ولكن عين الممكن...). قال شيخنا العارف في شرح المراد: (إن هاهنا ثلاث مراتب: مرتبة ذات الماهيات من حيث هي هي، ومرتبة عروض الوجود والعدم عليها، و مرتبة نفس الأمر على ما هي عليه. وأما في المرتبة الأولى، فيحكم العقل بأنها ليست إلا هي، فلا يحكم بشئ آخر عليها. وأما في المرتبة الثانية، فيحكم حكما بتيا بأنها متساو الطرفين بالنسبة إلى الوجود والعدم. فهاتان المرتبتان دركهما حظ العقل، وليس محجوبا عنهما، فلهذا يحكم قطعيا عليها. وأما في المرتبة الثالثة، و هي مرتبة نفس الأمر التي هي عبارة عن نشأة العلم الربوبي، فليس من شأنه دركها، وهو محجوب عنها، فلا يحكم عليها، فهو مردد في حالها: هل هي مقتضية للظهور، أم لا؟ هل هي مقتضية للسعادة أو الشقاوة، أم لا؟ والمثال الذي أورد الشارح، في الصفحة الآتية، من الأعمى، راجع إلى ذاك المقام. وبالجملة، العقل يحكم بقابلية الممكن للشئ ونقيضه فيما هو شأنه، ولا يحكم بشئ فيما هو محجوب عنه، وهو مرتبة علم الربوبي. وأما السالك المكاشف المطلع على نفس الأمر، فيحكم على آحاد المهيات بما هي عليها من الوجود والعدم والسعادة والشقاوة وغير ذلك). إنتهى ما أفاد. أقول: ولعل يظن (الأم) الذي ورد: (أن السعيد سعيد في بطن أمه، والشقي شقي في بطن أمه). هو مرتبة نفس الأمر الذي عبارة عن الحضرة العلمية. فإن السعادات والشقاوات وكلية التقديرات من ذاك العالم الشامخ الربوبي، الذي هذا العالم وما فيه ظله الظليل. ولما كان جميع التقديرات في ذلك العالم، ورد في بعض الأخبار أن البداء من علم لا يعلمه الأنبياء والمرسلون، هو مخزون عنده. كما في الكافي الشريف بإسناده عن أبى عبد الله، عليه السلام، قال: (إن لله علمين: علم مكنون مخزون، لا يعلمه إلا هو، من ذلك يكون البداء، وعلم علمه ملائكته ورسله و أنبيائه، فنحن نعلمه). صدق ولى الله. والمراد من كون البداء من ذلك أنه نشأ من ذلك العالم الشامخ، ولا ينافي ظهوره في بعض النفوس النازلة، فإن الموجودات كلها من الحضرة العلمية. وهاهنا تفصيل لا يسع المقام ذكره. (الامام الخميني دام ظله)
(٥٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 582 583 584 585 586 587 588 589 590 591 592 ... » »»