الاعتبار يكون المشهود هو الخلق والحق في عزه الأحمى وغيبه الذي كنى عنه نبينا، صلى الله عليه وسلم، ب (العماء) (12) وإن كان وجوده مرآة يظهر فيها العالم، و عند هذا الظهور يظهر بعضنا لبعض في حضرة علم الحق، فيقع التعارف بين الأعيان في هذه الحضرة بحكم المناسبة، ويظهر التناكر بحسب عدم المناسبة.
وما وقع من التناكر والتعارف في عالم الأرواح - كما نبه عليه، صلى الله عليه و سلم، بقوله: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف). - مظهر ونتيجة لذلك التعارف والتناكر الواقعين في الحضرة العلمية.
وإنما قال: (فيظهر بعضنا لبعض في الحق فنعرف بعضنا بعضا).
لأن الأعيان حال ثبوتها في غيب الحق، دون وجودها العلمي والعيني، غير متميز بعضها عن بعض، مستهلك كلها تحت قهر الأحدية الذاتية، كالأسماء والصفات، إذ لا وجود لشئ فيها أصلا، سواء كان اسما أو صفة أو عينا ثابتة أو غير ذلك، كما قال، عليه السلام: (كان الله ولا شئ معه). منبها عن هذه المرتبة.
واعتبر في مقام روحك حال حقائقك وعلومك الكلية، هل تجد ممتازا بعضها عن بعض؟ أو عن عين روحك إلى أن تنزل إلى مقام قلبك، فيتميز كل كلي عن غيره، ثم يتفصل كل منها إلى جزئياته فيه، ثم يظهر في مقام الخيال مصورا كالمحسوس، ثم يظهر في الحس. فإن وجدت في نفسك ما نبهت عليه، هديت وعلمت الأمر