(لا، بل نحن نحكم علينا بنا ولكن فيه). أضرب عن قوله: (ما يحكم علينا الحق إلا بنا) تأكيدا لما ذكره، فقال: لا، بل أعياننا يحكم علينا باستعداداتنا.
فإن كل عين من الأعيان يطلب من الحق بلسان استعدادها أن يوجدها ويحكم عليها بحسب قابليتها، فهي الحاكمة على الحق أن يحكم عليها بمقتضاها.
(ولكن فيه). أي، في علم الحق. (ولذلك قال تعالى: (فلله الحجة البالغة) يعنى على المحجوبين) الذين لم يكشف لهم حقيقة الأمر على ما هو عليه. (إذ قالوا للحق: لم فعلت بنا كذا وكذا؟ مما لا يوافق أغراضهم. فيكشف). أي الحق (لهم عن ساق). أي، من شدة الأمر يوم القيامة، أو عن أصل الأمر وحقيقته، إذ (ساق) الشئ ما يقوم به الشئ، وهو أصله المقوم إياه.
(وهو الأمر الذي كشفه العارفون هنا). أي، في الدنيا. (فيرون أن الحق ما فعل بهم ما ادعوه) أي حال الحجاب. (أنه فعله، وأن ذلك منهم، فإنه ما علمهم إلا على ما هم عليه). أي، من أعيانهم لا غير، فما فعل بهم ما فعل إلا أنفسهم، كما قال تعالى: (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). ولهذا السر قال إبراهيم، صلوات الله عليه: (بل فعله كبيرهم). حين قالوا له: (ء أنت فعلت هذه بآلهتنا يا إبراهيم). فقوله، عليه السلام، حق في نفس الأمر، لأن الأصنام بلسان حالهم استدعوا من باطنه، عليه السلام، إهلاكهم، لعلمهم بمقام عبوديتهم وضلال عابديهم. وإنما نسب إلى نفسه الكذب - كما جاء في الحديث - لأن الفعل ما صدر من ذلك الصنم ظاهرا، بل ظهر من نفسه، والأنبياء مأمورون بالظواهر، كما قال، عليه السلام: (نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر).
(فتدحض حجتهم). أي، تبطل حجة المحجوبين. (وتبقى الحجة لله تعالى البالغة). أي، تبقى الحجة البالغة لله تعالى عليهم.
(فإن قلت: فما فائدة قوله: (فلو شاء لهديكم أجمعين). قلنا: (لو) حرف امتناع لامتناع، فما شاء إلا ما هو الأمر عليه، ولكن عين الممكن قابل للشئ ونقيضه في حكم دليل العقل، وأي الحكمين المعقولين وقع، فذلك هو الذي عليه الممكن في