الإفاضة أيضا تطلب الأعيان واستعداداتها، فالحكم في الحقيقة منك وعليك.
ويجوز أن يكون قوله: (وإن كان الحاكم الحق) للمبالغة. وقوله: (فليس له إلا إفاضة الوجود عليك) نتيجة لقوله: (وإن ثبت أنك الموجود، فالحكم لك بلا شك). أي فالحكم لك بلا شك على تقدير أنك الموجود بالوجود الفائض عليك، وإن كان الحاكم في الحقيقة هو الحق.
(فلا تحمد إلا نفسك ولا تذم إلا نفسك). فإن خيرك وشرك منك وعليك، بحسب اقتضاء عينك. ولذلك يترتب الثواب والعقاب على أفعالك. وهذا في مقابلة ما يثبته الموحد بغلبة الوحدة عليه من أن الحمد والذم والخير والشر منه، ولا وجود لغيره ولا فعل ولا صفة. (وما يبقى للحق إلا حمد إفاضة الوجود، لأن ذلك له لا لك). فإن فيضان الوجود أزلا وأبدا لا يمكن إلا من مقام الجمع. ولا يناقض ما ذكر من أن الحمد كله لله في أول الفص: فإن ذلك من مقام الوحدة، وهذا من مقام الكثرة. وفي هذا المقام يتعين للحق حمد إضافة الوجود، وحمد الكمالات والحسنات ترجع إلى الأعيان. وإذا علمت أنها أيضا مقاماته التفصيلية وليست غير الحق بالحقيقة، علمت أن الحمد كله لله جمعا وتفصيلا.
(فأنت غذاؤه بالأحكام وهو غذاؤك بالوجود) أي إذا كان الحكم لك في الوجود، فأنت غذاء الحق، لظهور الأحكام الوجودية اللازمة لمرتبتك فيك، والحق غذائك بإفاضة الوجود عليك واختفائه فيك اختفاء الغذاء في المغتذى (20) واطلاق (الغذاء) هنا على سبيل المجاز: فإن الأعيان سبب ظهورات الأحكام الوجودية وبقائها، والحق سبب بقاء وجود الأعيان، كما أن الغذاء سبب بقاء المغتذى وقوامه وظهور كمالاته. ولكون الغذاء يختفي في المغتذى، جعل الحق غذاء الأعيان، فإنه اختفى فيها وأظهرها. وجعل الأعيان غذاء الحق لظهور الحق عند اختفاء الأعيان وفنائها فيه.