شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٨٥
فيمن أنت خلقت على صورته. وإن لم تجد ما في نفسك على ما هي عليه، لا يمكنك الاطلاع على الحقائق الإلهية وأحوالها. و (كل ميسر لما خلق له).
والامتياز العلمي أيضا إنما هو في المقام القلبي لا الروحي.
(فمنا من يعرف أن في الحق وقعت هذه المعرفة لنا بنا، ومنا من يجهل الحضرة التي وقعت فيها هذه المعرفة بنا - (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين).) أي، فمنا من يعرف أن في مرآة ذات الحق وحضرة علمه وقعت هذه المعرفة لنا، أي معرفة بعضنا بعضا بنا، أي بإعطاء أعياننا ذلك العرفان بحكم المناسبة الواقعة بينها. و منا من يجهل تلك الحضرة والتعارف الواقع بين الأعيان، بسبب الغواشي الناتجة من النشأة العنصرية والأطوار التي يظهر فيها العين الإنسانية إلى حين وصولها إلى هذه الصورة الألفية، كما قال:
(وأظنها نسيت عهودا بالحمى * ومنازلا بفراقها لم يقنع) ولما كان الأول حال أهل الكمال المحبوبين المعنى بهم الذين لا يحجبهم جلال الحق عن جماله، كالمحجوبين بالخلق عن الحق، ولا جماله عن جلاله، كالمحجوبين بالحق عن الخلق، وهم المهيمون الباقون في الجمع المطلق، والثاني حال المحجوبين المطرودين الذين لا يبالي بهم، قال ((أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين).) (وبالكشفين معا ما يحكم علينا إلا بنا). أي الكشف الأول يعطى أن الموجود هو الحق لا غير، وهو الظاهر في مرايا الأعيان والخلق في العدم، والكشف الثاني يعطى أن الموجود هو الخلق الظاهر في مرآة وجود الحق والحق في غيبه. والكشف الجامع بينهما معا - وهو مقام الكمال المحمدي، صلى الله عليه و سلم، شهود الحق في عين الخلق والخلق في عين الحق جمعا من غير احتجاب بأحد هما عن الآخر - يعطى أن ما يحكم الحق علينا بحكم من الأحكام إلا بسبب اقتضاء أعياننا ذلك الحكم.
(٥٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 580 581 582 583 584 585 586 587 588 589 590 ... » »»