شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٨٠
مقام الهوية الأحدية التي تستهلك النسب كلها فيه. فيكون الحق تعالى إلها، أي في مرتبة حضرة الأسماء والنسب الإلهية باعتبار أعياننا، كما أن السلطان سلطان بالنسبة إلى الرعية، والقاضي قاض بالنظر إلى أهل المدينة. فتلحق هذه النسب إليه تعالى بناء، كما تلحق النسب للواحد بالنظر إلى الأعداد: وهي كونه نصف الاثنين وثلث الثلاثة وربع الأربعة، وكالخواص الحاصلة للواحد بواسطة لزومها المراتب العددية. ولو قطعنا النظر عن هذه المراتب، لم يلحق للواحد تلك النسب، ولم يحصل له تلك الخواص.
(وهذه النسب أحدثتها أعياننا). أي، هذه الصفات إنما ظهرت بأعياننا، إذ لو لم تكن، لما كان يظهر (الخالق) و (الرازق) و (القادر)، ولا (السميع) و (البصير)، وغير ذلك من الأسماء والصفات الإضافية. وليس المراد ب‍ (الإحداث) الجعل والإيجاد، لأنا مجعولون وموجودون بها (8) فبجعل الحق و إيجاده إيانا تظهر تلك الصفات.
(فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها). المراد ب‍ (المألوهية) عند هذه الطائفة، مرتبة العبودية، وب‍ (المألوه) العبد، لا المعبود، لا كما يقول المفسرون من أن (الإله) بمعنى (المألوه)، وهو المعبود، كالكتاب بمعنى المكتوب. ومعناه: نحن أظهرنا بعبوديتنا معبوديته، وبأعياننا إلهيته، إذ لو لم يوجد موجود قط، ما كان يظهر أنه تعالى (إله). بل العلة الغائية من إيجادنا ظهور إلهيته، كما نطق به: (كنت كنزا مخفيا...). ف‍ (الجعل) ليس على معناه الحقيقي، بل على معناه المجازى. و هذا ليس بلسان أهل الصحو. وفيه نوع من الشطح لما فيه من الرعونة الغير اللائقة للمتأدبين بين يدي الرحمن. ونظيره كما يقول لسان الرعية والمريد و التلميذ: إن السلطان بوجودي صار سلطانا، وبإرادتي وقرائتي عليه صار الشيخ شيخا والأستاذ أستاذا. وفيه أقول:

(8) - قوله: (بها) أي، الذات. (ج)
(٥٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 575 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 ... » »»