شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٩٦
وآداب أرباب العقول لدى الهوى * كآداب أهل السكر عند أولى العقل فلا تعدلن إن قال صب متيم * من الوجد شيئا لا يليق بذى الفضل وفي السكر ما يجرى على ألسن الفتى * يضاف إلى الراح المزيلة للعقل (ففي حال أقر به * وفي الأعيان أجحده) أي حال غلبة مقام الجمع والوحدة وتجلياته على أقر بوجوده تعالى في مقامه الجمعي، وبرؤيتي جميع الأكوان مستهلكة فانية فيه. وإذا نظرت في الأعيان والأكوان واختفاء الحق فيها لإظهارها، (23) أجحده لغلبة الكثرة ورؤية الخلق، إذ لا يمكن تعيين موجود من الموجودات في الخارج ممتازا خارجا عنها، حتى يكون ربا معبودا للكل، كما هو شأن المحجوبين من أهل النظر وغيرهم، لأن كل ما هو موجود معين في الخارج، مقيد مشخص، وكل ما هو كذلك، فهو عبد، لأنه محتاج إلى مطلق وما يعينه، والرب هو المطلق الذي لا يتقيد بالإطلاق والتقييد، و يظهر في كل من المراتب الوجودية ويقومها بقيوميته. وهذا الجحد والإقرار بعينه.
كما قال الشاعر:
رق الزجاج ورقت الخمر * فتشابها وتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر (24)

(23) - كما ترى أن جميع التعينات الحرفية مستهلكة في النقطة: (وليس في الدار غير النقطة ديار)، فنعرف ونقر أن ليس في الوجود إلا النقطة. وإذا نظرت إلى تعينات الحرفية و هيآتها، تنكره بواسطة هذه الكثرة المترائية. قال ميرزا محمد رضا الإصفهاني القمشه‌اى:
(يك نقطه دان حكايت ما كان وما يكون اين نقطه گه صعود نمايد گهى نزول). (ج) (24) - لا يخفى أنه ليس ما قاله الشاعر من مقام الجحد والإقرار، بل من مقام الجمع بينهما بنحو الأحدية، بحيث لا يكون الخلق حجابا عن الحق ولا الحق عن الخلق. فليس حقيقة في ذاك المقام جحد أصلا. فإن الجحد من الاحتجاب، ولذا قال: رق الزجاجات التعينية الرقيقة، وراقت خمر الحقيقة. وهذا بحسب مقام السالك. وأما بالنظر إلى الأمر في نفسه فالاحتجاب مرفوع من رأس. هذا. إلا أن يقال إن قوله: (فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر) يدل على ذلك، فإنه أنكر وأقر في حالين. ولكن يمكن أن يكون ذلك أيضا إخبارا عن الحال الجمعي الغير المحتجب عن الخلق والحق. فتدبر تجد. (الامام الخميني مد ظله)
(٥٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 591 592 593 594 595 596 597 598 599 600 601 ... » »»