شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٨٢
(نعم، تعرف ذات قديمة أزلية لا تعرف أنها إله حتى يعرف المألوه، فهو الدليل عليه). أي، إذا أمعن النظر صاحب الفطانة والذهن المستقيم في نفس الوجود، يمكن أن يعرف أن ذاته قديمة أزلية واجبة، هي لها بذاتها لا بحسب الاستدلال، بل بوجدان الأمر على ما هو عليه على سبيل الذوق. ثم يتمكن من التنبيه لغيره أيضا، ليجد هو أيضا كذلك. كما بينا في فصل الوجود في أول الكتاب. أما المعرفة بأنها إله صاحب أسماء وصفات، فلا يمكن حتى ينظر إلى العالم، فيستدل بالعبودية على المعبودية، وبالمربوبية على الربوبية. ف‍ (العالم) هو الدليل على الإله من حيث إنه إله، لذلك قيل إنه مأخوذ من (العلامة) وهي الدليل.
(ثم، بعد هذا في ثاني الحال، يعطيك الكشف أن الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه وعلى ألوهيته) هذا كشف مقام الجمع. أي، بعد معرفة الإله بالمألوه، ومعرفة الذات القديمة الأزلية صاحب المرتبة الإلهية والتوجه إليه توجها تاما، تنفتح عين بصيرتك، فيكشف لك أن الحق هو الدليل على نفسه بتجليه الذاتي لإفاضة أعياننا بالفيض الأقدس. وهو الدليل على ألوهيته بالتجلي الأسمائي والصفاتي لحقائقنا، لا غيره المسمى ب‍ (العالم). وبهذا المعنى قال رسول الله، صلى الله عليه و سلم، حين سئل: (بما عرفت الله تعالى؟) قال: (بالله عرفت الأشياء).
فإن السؤال كان عن الذات الإلهية، أي بم عرفت ذات الحق. فأجاب: بالحق عرفت الأشياء، وبنوره، لا عن المرتبة، فإن العلم بالمرتبة الإلهية لا يكون إلا بعد العلم والمعرفة بالذات، وأين المحجوب من هذه المعرفة؟ ومن لسان هذين المعنيين قيل:
فلولاكم ما عرفنا الهوى ولو لا الهوى ما عرفناكم
(٥٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 587 ... » »»