شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٩٥
(فأعبده) (الفاء) للنتيجة. أي، تترتب عبادتي لي على عبادته لي بالإيجاد والإظهار. وعبادتي له في الظاهر هي إقامة حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه، و في الباطن قبول تجلياته الذاتية والأسمائية وإظهار أحكامها. وإطلاق (العبادة) على الحق وإن كان شنيعا ونوعا من سوء الأدب في الظاهر، لكن أحكام التجليات الإلهية إذا غلب على القلب بحيث يخرجه عن دائرة التكليف و طور العقل، لا يقدر القلب على مراعاة الأدب أصلا، وترك الأدب حينئذ أدب (22) كما قيل، شعر:
سقوني وقالوا لا تغن ولو سقوا * جبال حنين ما سقوني لغنت وأقول، شعر:

(22) - قوله: (وترك الأدب...) أقول: اعلم، أن الأدب مع الحق حفظ ما يكلف الحق به، و لا يكلف الحق نفسا إلا وسعها. وما يعد سوء الأدب في الظاهر هو ما في وسع العبد السالك عند غلبة أحكام التجليات على قلبه، لا ما يعد أدبا عند الصحو ومن حيث الظاهر. وأيضا، العبد حينئذ مقهور مغلوب، فما صدر عنه صدر عن القاهر والغالب، فترك الأدب على طاعة القاهر العادل بما أمره أدب. قال الشارح المحقق الكاشاني: (و يعبدني بتهيئة أسباب بقائي ونمائي، وإجابتي لما سألته بلسان حالي، كما قال، عليه السلام حين قال له أبو طالب: (ما أطوع لك ربك يا محمد قد) (وأنت يا عم إن أطعته أطاعك).
والطاعة من جملة العبادة). أقول: ليس المراد من (الطاعة) الطاعة الحقيقية، بل الطاعة بمعنى (المطاوعة). و العبادة الحقيقية من العبد، وإجابة الحق لمسؤول العبد. وإطلاق (العبادة) و (المطاوعة) في المقام على سبيل المشاكلة وغيرها من المعاني. ونحن نعلم أن الشيخ بلغ إلى غاية الكمال وتجاوز عن مقام الشطح والمغلوبية، وهو، رضى الله عنه، من جملة أكابر الأدباء مع الحق. والشارح العلامة عد الشيخ الأكبر من جملة المغلوبين والواقفين في منزل الشطاح المغلوب. ولعله كان معتقدا بأن برح الواجد وشطح المشطاح مقاما. ومعلوم عند أهل الله أن الشطح والتوقف في هذا الموقف نقص واضح، ولهذا لم ير ولم يسمع من الولي الصاحب لمقام التمكين والدعوة النبوية ما يوهم الشطح. (ج)
(٥٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 590 591 592 593 594 595 596 597 598 599 600 ... » »»