شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٧٣
عليه السلام، كانت مستفادة من حيث الباطن من الخلة المحمدية الثابتة لحقيقته أولا وآخرا، كنبوته، بل نبوة جميع الأنبياء وكمالاتهم أيضا كذلك. ومن تحقق أن روحه، عليه السلام، أبو الأرواح جميعا، لا يستغرب أن يكون كماله أصل جميع الكمالات. فخلته ذاتية كنبوته، وخلة غيره عرضية كنبوته. كما مر من أن غيره لا يكون نبيا إلا عند الاتصاف بالوجود الشهادي، وهو نبي حال كونه في الغيب، لأن غيره ما دام في الغيب، محكوم بحكمه. لذلك كان جميعهم تحت لوائه يوم القيامة، فإن الآخر مطابق للأول. ولذلك قال حين التجاء الناس إليه و قالوا: اشفع لنا، فإنك خليل الله: (إنما كنت خليلا من وراء وراء). هذا من حيث المغايرة بينهما. وأما من حيث أحدية عينهما وكون إبراهيم مظهرا من مظاهره الكلية، فالفرق بحسب المرتبة الكمالية الختمية، إذ كمال الخاتم للمقام أعلى وأرفع من كمال الغير الخاتم. والمراد ب‍ (الروح) في البيت المستشهد، الروح الحيواني الساري في جميع أجزاء البدن، أي: سريت في ذاتي وقلبي.
كسريان الروح الحيواني في مسالكه.
فأورد (رض) مثالين: أحدهما عقلي، كقول الشاعر، لأن التخلل عشق المحبوب مسالك الروح من المحب العاشق، وسريانه في جوهر ذاته أمر عقلي. والآخر حسي، كقوله: (كما يتخلل اللون المتلون، فيكون العرض بحيث جوهره ما هو كالمكان والمتمكن). أي، تخلل الخليل، عليه السلام، الذات الإلهية بالاختفاء فيها والاتصاف بصفاتها، كما يتخلل اللون المتلون بسريانه في جميع أجزاء المتلون بحيث يكون هو هو في الحس. ولا يفرق بينهما بالإشارة الحسية، فيكون مكانه عين مكان المتلون، ولا يكون بينهما امتياز في الحس، كالمكان والمتمكن.
(٥٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 567 568 569 570 571 573 574 575 576 577 578 ... » »»