شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٩
الجوهر من الجوهر والعرض لان ماله النطق هو الجوهر لا المركب كالشخص.
والفرق بين المعاني المنوعة والمشخصة بان الأولى انضمام الكلى إلى الكلى فلا يخرجه عن كليته، والثانية انضمام الجزئي بالكلي فيخرجه عنها والعرض العام ما يشمل حقيقتين فصاعدا والخاصة ما يختص بحقيقة واحدة. الأول كالمشي والاحساس، والثاني كالنطق والضحك. وما له المشي المعبر عنه بالماشي المسمى بالعرض العام، وماله الضحك المعبر عنه بالضاحك المسمى بالخاصة عند أهل النظر هو عين الحيوان والانسان في الوجود لا امر زائد عليهما خارج منهما و ان كان بحسب المفهوم أعم منهما. فما هو عرض عام بالنسبة إلى الأنواع فهو فصل منوع بالنسبة إلى الجنس الذي هذه الأنواع تحته وما هو خاصة فهو فصل للنوع وكون الناطق محمولا على الانسان بحمل المواطاة يمنع ان يقال ان الشئ الذي له النطق ماهية أخرى محمولة على الانسان لاتحاد وجودهما، لان حمل ماهية على غيرها مباينة إياها محال واتحاد الوجود لا مدخل له في الحمل إذ الحمل على الماهية لا على الوجود. ولو جاز ذلك لجاز حمل اجزاء ماهية مركبة من الاجزاء الموجودة عليها عند كونها موجودة بوجود واحد هو وجود المركب.
ولا تظنن ان مبدء النطق الذي هو النفس الناطقة ليس للحيوان، لينضم معه فيصير الحيوان به انسانا، مع انه غير صالح للفصلية لكونه موجودا مستقلا في الخارج، بل هذا المبدء مع كل شئ حتى الجماد أيضا، فان لكل شئ نصيبا من عالم الملكوت والجبروت. وقد جاء ما يؤيد ذلك من معدن الرسالة المشاهد للأشياء بحقايقها، صلوات الله عليه، مثل تكلم الحيوانات (13) والجمادات معه (14). وقال تعالى: (وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). وظهور النطق لكل أحد بحسب العادة والسنة الإلهية موقوف على اعتدال المزاج الانساني واما للكمل فلا (15). لكونهم مطلعين على بواطن الأشياء (16) مدركين لكلامها. وما قال المتأخرون بان المراد بالنطق هو ادراك الكليات لا التكلم، مع كونه مخالفا لوضع اللغة لا يفيدهم لأنه موقوف على ان الناطقة المجردة للانسان فقط، ولا دليل لهم على ذلك ولا شعور لهم. على ان

(13) - يمكن ان يحمل على التكلم الصوري الهجائي بظهور المعاني في كسوة الألفاظ المرتبة و تنزيلها من المقام الشامخ العقلاني إلى الخيال ومنه إلى الحس المشترك كما في الوحي. فتدبر تفهم. (غلامعلى) (14) - اعلم، ان المراد من تكلم الأشياء حقيقة هو التكلم الوجودي نظير تكلم مبدعها وباريها:
(انما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون). عشق در پرده مى نوازد ساز عاشقى كو كه بشنود آواز. همه عالم صداى نغمه اوست كه شنيد اين چنين صداى دراز.
والصدا هو الصوت الحاصل من تموج الأجسام القابلة الحادث بواسطة الانضغاط، إذا انعكس ورجع بهيئة الأولى من دفع الجسم الصلب له وتموجه ثانيا وانعطافه منضغطا إلى مقامه الأول. فتدبر حتى تعلم ان القول الإلهي إذا امتد عند الايجاد ووصل إلى حقيقة من الحقايق الإمكانية رجع محدودا من غير نفود منها إلى حقيقة الحقايق متعينا بتعين مخصوص يحكى عن الأصل كالصدا، وهذا القول إذا نسب إلى مبدئه الصادر عنه فهو كلامه، وإذا نسب إلى مقابله القابل له فهو تسبيحه وتكلمه، فافهم. (غلامعلى) (15) - فحال غير الكمل كحال النائم، فإنه لا يسمع كلام المتكلمين حوله. فافهم.
(16) - وذلك لشهودهم ببواطن الأشياء وسريانهم فيها. فافهم.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 75 76 77 78 79 80 81 82 89 90 ... » »»