شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٧٠
وإنما تحصل المحبة من التجليات الواردة من حضرة الجمال المطلق، و الهيمان من جلالها على الملائكة المهيمة والمجذوبين من الأناسي، ولكل من الكمل المحبوبين أيضا نصيب منه، إما في بداية أمورهم كالجذبة قبل السلوك، أو عند انتهائها كالجذبة بعده، فتلحقون بها إلى المقصد الأسنى و يدخلون في حكم المهيمين.
ولما كان إبراهيم، صلوات الله وسلامه عليه، أول من تجلى له الحق بهويته الذاتية السارية في المظاهر الكونية كلها، وأول من خلع الله عليه صفاته الثبوتية الحقيقية من أولاد آدم، عليه السلام، بعد الفناء فيه والبقاء به - كما ورد في الخبر الصحيح: (أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم). ليكون الآخر مطابقا للأول، ويحصل المجازاة له يوم الجزاء - وكان بعد مرتبة التنزيه والتقديس مرتبة التشبيه، وتجلى الذات الإلهية له في صور المظاهر موجبا للتشبيه، أورد هذه الحكمة عقبيهما، وقرن بينهما وبين كلمته، عليه السلام، لكونه مظهرا للعشق والخلة: ومن شدة المحبة جعل يطلب في مظاهر الكواكب لظهور النورية فيها، ومن غلبة المحبة والهيمان قال: (لئن لم يهدني ربى لأكونن من الظالمين).
أي، الحائرين في جمال الحق. وعند كمال الهيمان فنى عن نفسه، وتجلى له الحق، فبقى بالحق في مقام الجمع والفرق، وأدركه في مظاهر سماوات الأرواح و أرض الأجسام والأشباح. فقال: (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات
(٥٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 565 566 567 568 569 570 571 573 574 575 576 ... » »»