ولما كان في الحقيقة يسمى خلقا عدما، لا وجود له، والموجود هو الحق لا غيره، عمم الحكم وأكد ب (الكل)، وقال: (وإليه يرجع الأمر كله).، أي، سواء كان محمودا أو مذموما. والسر فيه أن ما في الوجود خير كله، وكونه مذموما ليس إلا بالنسبة إلى بعض الأشياء. ألا ترى أن الشهوة من حيث إنها ظل المحبة الذاتية السارية في الوجود محمودة، وعدمها، وهو العنة، مذمومة، و من حيث إنها سبب بناء النوع وموجبة لللذة التي هي نوع من التجليات الجمالية أيضا محمودة، وعند وقوعها على غير موجب الشرع مذمومة، لكونها سببا لانقطاع النسل وموجبا للفتن العائدة إلى العدم؟ وهكذا جميع صور المذام.
فالكل منه وإليه من حيث الكمال. والاستدلال بالآيات وأمثالها أنما هو تأنيس للمحجوبين وعقولهم الضعيفة، وإلا أهل الكشف يشاهدون الأمر في نفسه كذلك.
(اعلم، أنه ما تخلل شئ شيئا إلا كان محمولا فيه). لأن المتخلل هو الذي ينفذ في الشئ ويدخل في جوهره، فالداخل محمول ومستور فيه، والمدخول فيه حامل له وظاهره.
(فالمتخلل - اسم فاعل - محجوب بالمتخلل - اسم مفعول. فاسم المفعول هو الظاهر. واسم الفاعل هو الباطن المستور. وهو غذاء له، كالماء يتخلل الصوفة، فتربو به وتتسع. فإن كان الحق هو الظاهر، فالخلق مستور فيه، فيكون الخلق جميع أسماء الحق سمعه وبصره، وجميع نسبه وإدراكاته. وإن كان الخلق هو الظاهر، فالحق مستور باطن فيه، فالحق سمع الخلق وبصره ويده ورجله وجميع قواه (6) كما