شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٧٧
ولما كان في الحقيقة يسمى خلقا عدما، لا وجود له، والموجود هو الحق لا غيره، عمم الحكم وأكد ب‍ (الكل)، وقال: (وإليه يرجع الأمر كله).، أي، سواء كان محمودا أو مذموما. والسر فيه أن ما في الوجود خير كله، وكونه مذموما ليس إلا بالنسبة إلى بعض الأشياء. ألا ترى أن الشهوة من حيث إنها ظل المحبة الذاتية السارية في الوجود محمودة، وعدمها، وهو العنة، مذمومة، و من حيث إنها سبب بناء النوع وموجبة لللذة التي هي نوع من التجليات الجمالية أيضا محمودة، وعند وقوعها على غير موجب الشرع مذمومة، لكونها سببا لانقطاع النسل وموجبا للفتن العائدة إلى العدم؟ وهكذا جميع صور المذام.
فالكل منه وإليه من حيث الكمال. والاستدلال بالآيات وأمثالها أنما هو تأنيس للمحجوبين وعقولهم الضعيفة، وإلا أهل الكشف يشاهدون الأمر في نفسه كذلك.
(اعلم، أنه ما تخلل شئ شيئا إلا كان محمولا فيه). لأن المتخلل هو الذي ينفذ في الشئ ويدخل في جوهره، فالداخل محمول ومستور فيه، والمدخول فيه حامل له وظاهره.
(فالمتخلل - اسم فاعل - محجوب بالمتخلل - اسم مفعول. فاسم المفعول هو الظاهر. واسم الفاعل هو الباطن المستور. وهو غذاء له، كالماء يتخلل الصوفة، فتربو به وتتسع. فإن كان الحق هو الظاهر، فالخلق مستور فيه، فيكون الخلق جميع أسماء الحق سمعه وبصره، وجميع نسبه وإدراكاته. وإن كان الخلق هو الظاهر، فالحق مستور باطن فيه، فالحق سمع الخلق وبصره ويده ورجله وجميع قواه (6) كما

(٦) - قوله: (فإن كان الحق هو الظاهر...). قال شيخنا العارف الكامل، أدام الله ظله: (إن مستورية العبد في الحق وظهور الحق لا يحصل إلا عند فناء العبد واضمحلال إنيته و اندكاكه بحيث لا يبقى منه أثر ولا خبر. وهذا هو نتيجة قرب النوافل. فقوله:
(يكون الخلق جميع أسماء الحق). أي، لا يبقى أثر للخلق وحده. وإلى هذا أشار الحديث القدسي: (كنت سمعه وبصره). أي، لا سمع ولا بصر ولا حكم له ولا أثر. ومستورية الحق في الخلق وظهور العبد لا يحصل إلا بعد إرجاع العبد إلى مملكته، وهو البقاء بعد النفاء. وهذا هو نتيجة قرب الفرائض. فقوله: (فالحق سمع الخلق وبصره...) أي، السمع للعبد الباقي بعد الفناء، فإن العبد إذا رجع إلى مملكته، يصير وجوده حقانيا، فإن المفنى فيه بما أنه مفنى فيه هو الفاني، كما أن الفاني بما أنه فان هو المفنى فيه. ففي هذا المقام العبد هو الظاهر وهو السميع وهو البصير، والله أسمائه وصفاته). هذا كلامه، أديم أيامه وزيد إكرامه. ولم أر أحدا من الشراح شرح كلام الشيخ كذلك. وعندي في بعض ما أفاد، دام ظله، نظر. فإن في قرب النوافل لا يصير العبد فانيا حتى عن ذاته، بل هو مقام الفناء الصفاتي. وأما حصول الفناء التام، فهو الذي يكون عند قرب الفرائض. وعند ذلك، قد يصير العبد المستهلك الإنية مجذوبا غاية الجذبة، لا يمكن إرجاعه إلى مملكته، فيصير في رتبة الملائكة المهيمة منخرطا في سلكهم. وقد يكون لائقا للإرجاع، فتشمله العناية الإلهية، فيرجعه إلى مملكته غانما في تجارته، فتصير نفسه نفس الكل وعقله عقل الكل وجسمه جسم الكل، إلى غير ذلك. (الامام الخميني حفظه الله تعالى)
(٥٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 571 573 574 575 576 577 578 579 580 581 582 ... » »»