شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٢
والباطنية ثابتة للوجود العلمي والآخرية والظاهرية للعيني، والأشياء ما لم توجد في العلم لم يمكن وجودها في العين. والأعيان بحسب امكان وجودها في الخارج و امتناعها فيه ينقسم إلى قسمين: الأول الممكنات والثاني الممتنعات، وهي قسمان:
قسم يختص بفرض العقل إياه كشريك الباري واجتماع النقيضين والضدين في موضوع خاص ومحل معين وغيرها، وهي أمور متوهمة ينتجها العقل المشوب بالوهم (10). وعلم الباري، جل ذكره، يتعلق بهذا القسم من حيث علمه بالعقل والوهم ولوازمهما من توهم مالا وجود له ولا عين وفرضهما إياه لا من حيث ان لها ذواتا في العلم أو صورا أسمائية والا يلزم الشريك في نفس الامر والوجود (11). قال الشيخ، رضى الله عنه، في الفتوحات في ذكر أولياء الناهين عن المنكر (12) من الباب الثالث والسبعين: (فلم يكن ثمة شريك له عين أصلا بل هو لفظ ظهر تحته العدم المحض، فأنكرته المعرفة بتوحيد الله الوجودي فيسمى منكرا من القول وزورا).
وقسم لا يختص بالفرض بل هي أمور ثابتة في نفس الأمر موجودة في العلم لازمة لذات الحق لأنها صور للأسماء الغيبية المختصة بالباطن من حيث هو ضد الظاهر إذ للباطن وجه يجتمع مع الظاهر ووجه لا يجتمع معه (13) وتختص الممكنات بالأول والممتنعات بالثاني. وتلك الأسماء هي التي قال، رضى الله عنه، في فتوحاته: (واما الأسماء الخارجة عن الخلق والنسب فلا يعلمها الا هو لأنه لا تعلق لها بالأكوان). وإلى هذه الأسماء أشار النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (أو استأثرت به في علم غيبك). ولما كانت هذه الأسماء بذواتها طالبة للباطن هاربة عن الظاهر لم يكن لها وجود فيه، فصور هذه الأسماء وجودات علمية ممتنعة الاتصاف بالوجود العيني ولا شعور لأهل العقل بهذا القسم و لا مدخل للعقل فيه (14). والاطلاع بأمثال هذه المعاني انما هو من مشكاة النبوة والولاية والايمان بهما. فالممتنعات حقايق الهية من شأنها عدم الظهور في الخارج كما ان من شأن الممكنات ظهورها فيه.

(١٠) - اعلم، ان القضايا على قسمين: بتية وغير بتية. والبتية هي التي لها تقرر بحسب الماهية و فرض الفارض وتقدير المقدر انما يتعلق بوجودها وتحققها في الخارج كقولنا: لو كان انسان لكان حيوانا، وغير البتية هي التي لا تقرر لها بحسب الماهية وفرض الفارض وتقدير المقدر انما يتعلق بتقررها بحسب الماهية كقولنا: شريك الباري ممتنع، بمعنى انه لو فرض الفارض تقرره لكان ممتنعا، وليس هنا الا صورة العقد وظاهر القضية والا فالطرفان والنسبة كلاهما باطلان. (صدر الحكماء) (١١) - قوله: (والا يلزم الشريك في نفس الامر). لا يقال، انه لو كان له عين لا يلزم الشريك في نفس الامر لأنها قائمة بالفيض الأقدس كالأعيان الاخر. لأنا نقول، على تقدير ان يكون له عين في نفس الامر لا بد ان تكون موجودة بوجود استقلالي بحكم الشريكية والا لم يكن شريكا. ١٢ (١٢) - ومنا من لا يكون ناهيا لعلمه بسر القدر وان النهى له عين غير قابلة لهذا الحمل ونعم ما قيل: من گروهى مى شناسم زاوليا كفر باشد نزدشان كردن دعا.
(١٣) - قال مولانا الملا محسن في عين اليقين: الاسم الباطن من حيث انه ضد الظاهر، أي من حيث وجهه الذي لا يجتمع معه، لا يمكن ان يوجد في الخارج لأنه من هذه الحيثية طالب للبطون هارب عن الظهور فهو بهذا الاعتبار مكنون مخزون في علم الله. وقال أيضا: لما كان كل اسم من الأسماء له صورة في الحضرة العلمية فلا بد ان يكون للاسم الباطن وما يختص به من الأسماء الغيبية من حيث انه ضد الظاهر، أي من حيث وجهه الذي لا يجتمع معه أيضا صور في تلك الحضرة، وهي لما كانت بذواتها طالبة للبطون هاربة عن الظهور لا يمكن ان توجد في الخارج فهي اذن وجودات علمية لازمة لذاته يمتنع اتصافها بالوجود العيني فهي مفاتيح الغيب التي لا يعلمها الا هو. فمفاتيح الغيب هي الممتنعات التي لا سبيل للعقل إليها واما الممتنعات التي يفرضها العقل كشريك الباري و اجتماع النقيضين وأمثال ذلك فهي أمور متوهمة ينتجها العقل المشوب بالوهم. 12 (14) - اعلم، ان الأسماء المستأثرة حاكية عن نفس الذات الإلهية، من اطلع عليها اطلع على الذات حسب اطلاعه عليها. ولا يحصل هذا الا بالفناء في أحدية الجمع لان مظاهر تلك الأسماء، أي الأعيان المنيعة، واقعة في أعلى مراتب الفيض الأقدس والوصول إليه يستلزم الفناء في الذات، حالا أو مقاما، وتلك الأعيان أعلى رتبة من العين الثابت للانسان الكامل. لا يقال، ان للعين الانسان الكامل جهتي الظهور والبطون ولتلك الأعيان ليس الا جهة البطون. لأنا نقول، ان باطن هذه الأعيان مرب لباطن عين الانسان الكامل لان باطن عينه ومربيه هو الاسم الله وذلك الاسم في الحقيقة تحت الأسماء المستأثرة. فتأمل. 12
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»