الجواهر بعضها محيطة بالبعض، وكما ان الأمهات من الأسماء منحصرة كذلك أجناس الجواهر وأنواعها منحصرة، وكما ان الفروع من الأسماء غير متناهية كذلك الاشخاص أيضا غير متناهية، وتسمى هذه الحقيقة في اصطلاح أهل الله بالنفس الرحماني والهيولي الكلية، وما تعين منها وصار موجودا من الموجودات بالكلمات الإلهية.
فان اعتبرت تلك الحقيقة من حيث جنسيتها التي تلحقها بالنسبة إلى الأنواع التي تحتها فيه طبيعة جنسية، وان اعتبرت من حيث فصليتها التي بها يصير الأنواع أنواعا فهي طبيعة فصلية، إذ حصة منها مع صفة معينة هي المحمولة على النوع بهو هو لا غيرها، وان اعتبرت من حيث حصصها المتساوية في افرادها الواقعة تحتها أو تحت نوع من أنواعها على سبيل التواطؤ فهي طبيعة نوعية.
فالجنسية والفصلية والنوعية من المعقولات الثانية اللاحقة إياها. فالجوهر بحسب حقيقته عين حقايق الجواهر البسيطة والمركبة، فهو حقيقة الحقايق كلها تنزل من عالم الغيب الذاتي إلى عالم الشهادة الحسية وظهر في كل من العوالم بحسب ما يليق بذلك العالم وفيه أقول: شعر حقيقة (2) ظهرت في الكون قدرتها * فأظهرت هذه الأكوان والحجبا تنكرت بعيون العالمين (3) كما * تعرفت بقلوب عرف أدبا فالخلق كلهم أستار طلعتها * والامر أجمعهم كانوا لها نقبا ما في التستر بالأكوان من عجب * بل كونها عينها مما ترى عجبا وليس انضمامه إلى المعاني الكلية أو الجزئية الا ظهوره فيها وتجليه بها تارة في مراتبه الكلية وأخرى في مراتبه الجزئية. فهو الذات الواحدة بحسب نفسه المتكثرة بظهوراته في صفاته وهي بحسب حقايقها لازمة لتلك الذات وان كانت من حيث ظهورها تتوقف على اعتدال يكون عنده بالفعل (4). فكل ما في فرده بالفعل أو بالقوة وقتا ما أو دائما من اللوازم والصفات فهو فيها غيب، إذ كل ما يظهر فهو قبل ظهوره فيه بالقوة والشدة والألم يمكن ظهوره.