يتحرك بالحركة الدورية، لأنه يرى مطلوبه مع كل موجود يوجد في دائرة الوجود بوجه آخر، فيتحرك إليه، والوجود دوري فتقع الحركة دورية. والحركة الدورية لا يكون إلا حول القطب الذي مدار الوجود عليه، فالحائر لا تزال حركته دورية.
ولما يبرح من القطب، أي، لا ينفك منه لاستفاضته منه دائما وتوجهه إليه سرمدا. كالملائكة المهيمة في الجمال المطلق الإلهي.
(وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود، طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه) أي، إلى الخيال. (غايته: فله (من) و (إلى) وما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدأ له، أي لا بدأ له في سيره وسلوكه، فيلزمه (من) ولا غاية) لكماله (فيحكم عليه (إلى)). (فيلزمه)، (فيحكم عليه). منصوبان بإضمار (إن) لوقوعهما بعد (الفاء) في جواب النفي. أي، صاحب الحركة المستطيلة خارج عن طريق الحق مائل عن مقصوده، لأنه ما يرى الحق في المظاهر، بل توهم أن مطلوبه خارج عن هذه المظاهر، فيتحرك بالحركة المستطيلة للوصول إليه، ومقصوده معه وهو لا يشعر. فهذا المتحرك طالب لما هو معه وفي نفسه، و هو يطلب خارجا من الموجودات، فهو صاحب خيال وتوهم، لأن الحق مجردا عن المظاهر لا نسبة بينه وبين العالم، كما قال: (ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار). فلا يمكن إدراكه إلا في المظاهر.
قوله: (إليه غايته). أي، إلى الخيال غايته ومقصوده، فيلزم لصاحب هذه الحركة (من) و (إلى) وما بينهما، فله بداية ونهاية. ولصاحب الحركة الدورية لا بداية ولا نهاية، لأنه يشاهده في جميع المظاهر الروحانية والجسمانية دنيا و آخرة، ولا نهاية للمظاهر، فلا نهاية لشهوده فيها، فلا يلزمه (من) ولا يحكم عليه (إلى).
وإنما قال: (صاحب الطريق المستطيل) ولم يقل: المستقيم. لأن الصراط المستقيم يطلق على الطريق المستطيل وعلى غيره، كما يقال: فلان على الطريق المستقيم. إذا كان أقواله وأفعاله على سبيل الصواب وطريق السداد. وصاحب الطريق المستقيم، بهذا المعنى، هو الذي يرى الحق في كل شئ ويعظمه تعظيما