في الذات، وجعلها موصوفة بكل الكمالات بخلاف (المقتصد)، فإنه متوسط في السلوك، غير واصل إلى مقام الفناء في الذات بل واقف في الفناء في الصفات، و بخلاف (السابق في الخيرات)، لأنه في مقام الأفعال الخيرية و التحلية بالأعمال الزكية، كالعباد والزهاد والمتقين من الأعمال الموجبة للبعد والطرد. ولا شك أن هؤلاء الطوائف الثلاث كلهم من أهل الجنة وكلهم من المصطفين الأخيار.
فذكره بالظلم إثبات لمرتبة عظيمة، لا ذم في حقه.
((إلا ضلالا) إلا حيرة). (إلا ضلالا) تتمة لقوله: (ولا تزد الظالمين). و فسره بالحيرة الحاصلة من العلم لا الجهل. (المحمدي: (زدني فيك تحيرا).) أي، كما قال الناطق المحمدي: (رب زدني فيك تحيرا). أي، رب زدني فيك علما، فإني كلما أزداد فيك علما، أزداد فيك حيرة من كثرة علمي بالوجوه والنسب التي لذاتك. وإنما قال: (المحمدي)، بياء النسبة، ليشمل الأولياء التابعين لمحمد، صلى الله عليه وسلم. وقلبه الناطق بقوله: (رب زدني فيك تحيرا). فإن للوارثين منه مقام الحيرة، لا يزالون يطلبون الزيادة منها، لالتذاذهم بها وبلوازمها وملزوماتها المعطية إياها.
((كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا).) أي، قد جاء في حق قوم موسى: (كلما أضاء لهم مشوا فيه). أي، كلما ورد لهم التجلي الإلهي الذي هو سبب إضاءة أرواحهم وقواهم الروحانية، سلكوا في المقامات وعرجوا إلى عالم القدس، وإذا انقطع عنهم ذلك التجلي النوري وأظلم عليهم، قاموا، أي، وقفوا حيارى لظهور التجلي الظلماني عليهم وهو معد لاستعداداتهم لقبول التجليات النورية مرة أخرى، بحيث لا يشعر المتجلى فيه به إلا عند زوال ذلك التجلي. وقد خلق الله الليل والنهار آيتين لهذين النورين، قال الله تعالى: (و جعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة). فكان نوح، عليه السلام، أول من طلب هذا المقام لأمته، وحصل هذا المقام بكماله لهذه الأمة.
(فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه). أي، الحائر