الآثار والأفعال. ((وقد أضلوا كثيرا) أي، حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب).
أي، أضل قومه كثيرا من أهل العالم وحيروهم في تعداد الواحد الحقيقي بحسب الوجوه والنسب التي له. فإنهم اتبعوا عقولهم ودرجات عقولهم متفاوتة، فأدرك كل منهم من تلك الوجوه ما يناسب استعداده، ونفى ما أدركه غيره، فوقعوا في الحيرة والضلالة، كما يشاهد اليوم من أحوال أرباب النظر من تخطئة بعضهم بعضا. وكلهم مصيب من وجه ومخطئ من وجه آخر. ( (ولا تزد الظالمين) لأنفسهم المصطفين الذين أورثوا الكتاب) أخذ ( الظالمين) من قوله: (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا). بمعنى الظالمين في قوله تعالى:
(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات). فاللام للعهد. ونقل صاحب المعتمد، رحمه الله، عن الترمذي عن أبى سعيد الخدري، رضى الله عنه: (إن النبي، صلى الله عليه و سلم، قرأ: (ثم أورثنا الكتاب...) فقال: (وكلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة). وذلك لأنهم ظلموا على أنفسهم وبإهلاكها ومنعها عن متابعة هواها الذي هو روحها وحياتها لأنفسهم، ليتحققوا بالأنوار والمعارف الإلهية و المكاشفات الروحية، كما قال عليه السلام: (اتبعوا أبدانكم لراحة أنفسكم).
لذلك قال: (الذين اصطفينا). وأضاف إلى نفسه بقوله: (من عبادنا) تشريفا لهم وتعظيما لشأنهم.
(فهم أول الثلاثة، فقدمهم على (المقتصد) و (السابق)). أي، الظالمين لأنفسهم أول الطوائف الثلاث المذكورين في الآية. (فقدمه) (21) أي قدم الحق (الظالم لنفسه) على (المقتصد) و (السابق بالخيرات)، لأنه ظلم نفسه لتكميل نفسه بعدم إعطاء حقوقها، فضلا عن حظوظها، حتى أوصلها إلى مقام الفناء (*)