(والأعلى ما تخيل، بل قال: وهذا مجلي إلهي ينبغي تعظيمه. فلا يقتصر).
أي، الأعلى من العابدين والأعرف منهم لم يتخيل، كما تخيل الجهال العابدون بالتوهم، بل يقول: هذا مجلي إلهي ومظهر من مظاهره، يجب تعظيمه لوجوب تعظيم شعائر الله. فلا يقتصر أن يعظمه بنفسه ويعبده، بل يأمر غيره أيضا بعبادته وتعظيمه. أو لا يقتصر الحق في معبوده الذي جعله مجلي إلهيا، بل قال:
إنه مجلي من مجاليه ومظهرا من مظاهره، واجب تعظيمه وعزته. فيجعل هوية الحق متجلية في صور الموجودات المتكثرة.
(فالأدنى صاحب التخيل يقول: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) والأعلى العالم يقول: (إنما إلهكم إله واحد فله أسلموا). حيث ظهر). أي، غير العالم من العابدين يقول: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله). ووسائط، نعبدهم ليقربونا عنده تقريبا تاما. والأعلى العالم يقول: (إنما إلهكم إله واحد). وله أسماء ومظاهر مختلفة، فأسلموا له وانقادوه واعبدوه في جميع مظاهره الروحانية والجسمانية، كما قال تعالى: (فإلهكم إله واحد فله أسلموا، وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون).
((وبشر المخبتين) الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا: إلها، ولم يقولوا:
طبيعة). (خبت) من (الخبو). وخبو النار، خمودها وإطفاؤها. و (الإخبات)، التواضع وكسر النفس. لما أورد الآية بقوله: (والأعلى العالم يقول: (إنما إلهكم إله واحد).) تممها بقوله: و (بشر المخبتين) وفسر بأنهم هم الذين خبت نار طبيعتهم، أي، بشر الذين أخبتوا وأخمدوا نار طبيعتهم بالسلوك والمجاهدة، فإذا خمدت نار طبيعتهم وخبت، تجلت لهم الصفات الإلهية والأنوار الذاتية، فعرفوا الحق وأنواره وآثاره الصادرة من أسمائه وصفاته في العالم بالحق، فقالوا:
إلها. أي، سموه بالاسم الإلهي، وما سموه باسم غيره من الطبيعة، كما يقول المحجوب: إن الطبيعة فعلت كذا وكذا. والطبيعة وإن كانت مظهرا من المظاهر الكلية، لكنها غير متخلصة عن رق العبودية وسمة الغيرية، فالموحد لا يسند إليها