شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٢٩
لائقا بظهور الحق في ذلك الشئ ويعطى حق جهة حقيته وخلقيته، لذلك صارت الاستقامة أصعب الأشياء. وإليه إشارة النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (شيبتني سورة هود). إذ أمر فيها بالاستقامة. قال تعالى: (فاستقم كما أمرت). في السير من الخلق إلى الحق، وإن كان يلزم (من) و (إلى) لكنه غير مذموم، لأن السالك يسلك في الحقيقة من نفسه إلى نفسه وعينه الثابتة التي هي ربه، ليعرفها فيعرف ربها. فحركته من جهة عبوديته إلى جهة ربوبيته، فليس كالمحجوب الطالب لربه خارجا عن نفسه وعن سلسلة الموجودات الممكنة جميعا، كالمتفلسف والمتكلم.
(فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم). أي، فلصاحب الحركة الدورية، الإدراك والوجدان التام. ف‍ (الوجود) بمعنى (الوجدان)، كقوله تعالى: (ومن يعمل سوءا ويظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما). أو فله الوجود المحيط بكل شئ بتمامه، لأنه يشاهد الحقيقة الوجودية في جميع مظاهرها. وهو الذي أوتى جوامع أنوار الكلم الروحانية والحكم الربانية.
((ومما خطيئاتهم) فهي التي خطت بهم، فغرقوا في بحار العلم بالله و هو الحيرة) أي، جاء في حقهم و (مما خطيئاتهم أغرقوا). ((فادخلوا نارا)) (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا). و (الخطيئة)، الذنب. وفي قوله: (فهي التي خطت بهم) أي، ساقهم وسلك بهم إشارة إلى أنها مأخوذة من (الخطو)، لأنه يخطو ويتعدى أوامر الله، فيقع في الذنب. وواحده: (خطوة)، وجمعه:
(خطوات). أي، خطواتهم وقطع مقاماتهم بالسلوك هي التي خطت بهم إلى بحار العلم بالله، فغرقوا فيها وحاروا. أو ذنوبهم وخطاياهم هي التي أوجبت عليهم أن يغرقوا. والتأويل الأول لا ينافي ظاهر المفهوم منها، لأنه بالنسبة إلى الكمل من أمته، وما يفهم منه ظاهرا إنما هو بالنسبة إلى الكافرين به والمحجوبين عن دينه.
والضمير في قوله: (وهو الحيرة) راجع إلى (الغرق). أي، ذلك الغرق هو الحيرة. ويجوز أن يرجع إلى (العلم بالله). وإنما قال كذلك لأنها يلزم العلم
(٥٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 524 525 526 527 528 529 530 531 532 533 534 ... » »»