شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٣١
قال: (كنت سمعه وبصره). فينادون بلسان حالهم:
تسترت عن دهري بظل جناحه * فعيني دهري وليس يراني فلو تسأل الأيام ما اسمى ما درت * وأين مكاني، ما درين مكاني (فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة، لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة) أي، لو أخرجهم الحق من الجناب الإلهي والحضرة القدسية إلى عالم بشريتهم، مرة أخرى، لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة إلى ساحل بحر الطبيعة. إذ (السيف)، بكسر السين وسكون الياء، هو الساحل. وهذا حال المهيمين في جمال الله، ليس لهم الرجوع إلى الخلق ثانيا، كما لغيرهم من الكمل المكملين. وإنما قال: (إلى السيف، سيف الطبيعة). ولم يقل: إلى الطبيعة. لأن الكمل الراجعين من الحق إلى الخلق وإن نزلوا إلى الطبيعة ثانيا، لكنهم لهم يظهروا بها وبآثارها كظهورهم قبل سلوكهم، بل يظهرون بالحق فيها، فكأنهم بقوا بمعزل عن الطبيعة وأفعالها، بل واقفين في ساحلها بأمر ربها.
(وإن كان الكل لله وبالله بل هو الله). أي، وإن كان الكل عبدا لله وقائما لله، سواء كان طبيعة أو أهلها. بل الكل، من حيث هو كل، مظهر للإسم الجامع الذي هو الله، لكن تتفاوت درجات المقامات ومراتب أهلها كما تتفاوت درجات الأسماء الإلهية في الحيطة وغيرها. وإنما قلت: من حيث هو كل. لأن الذات مع جميع الصفات إنما تظهر في الكل، لا في كل واحد، وإن كانت الذات مع كل واحد من المظاهر. والقطب الحقيقي لكونه مظهرا للإسم الأعظم الإلهي، مظهر للذات مع جميع الصفات، وغيره ليس كذلك.
واعلم، أن الكمل بعد وصولهم إلى الحق بفناء ذواتهم، يبقون ببقاء الحق و يحصل لهم الوجود الحقاني، ثم في رجوعهم من الله إلى الخلق يشاهدون الحق في كل مرتبة بالحق، لا بأنفسهم، إلى أن يكمل سيرهم في أمهات المظاهر الإلهية و يعلمون أسرار الوجود في كل مرتبة من مراتب عالم الغيب والشهادة بأسرها، فينزل الحق كلا منهم في مرتبة من مراتب الكمل: فمنهم من يجعله غوثا وقطبا، و
(٥٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 ... » »»