يتصرف في الوكيل بحسب العزل والإثبات كما يتصرف في الملك، صار الحق ملك ملكه. وذكر الشيخ (رض) في اصطلاحاته: (ملك الملك هو الحق في حال مجازات العبد على ما كان منه مما أمر به). فمعناه: أن الحق جزى عبده على ما عمل مما أمر به.
واعلم، أن جزاء الأعمال الصادرة من العباد إنما هو بحسب نياتهم: فمن كان عمله للجنة يجازيه بها، ومن كان عمله لله نفسه، ولا رغبة في الجنة ولا رهبة من النار، فالحق جزاؤه لا غير، كما جاء في الحديث القدسي: (من أحبني قتلته، و من قتلته فعلى ديته ومن على ديته، فأنا ديته). وقال أبو يزيد في مناجاته، عند تجلى الحق له: (ملكي أعظم من ملكك لكونك لي وأنا لك، فأنا ملكك وأنت ملكي، وأنت العظيم الأعظم، وملكي أنت، فأنت أعظم من ملكك وهو أنا).
وقوله: (كما قال الترمذي) إشارة إلى ما سأل الشيخ الكامل المكمل، محمد بن على الترمذي، قدس الله روحه، أسئلة لا يجيب عنها إلا أكابر الأولياء أو قطب الوقت. ومن جملتها: (ما ملك الملك؟ ولما ولد وبلغ الشيخ (رض) أجاب عنها. وفي كتاب الفتوحات، في المجلد الثاني، مذكورة مع أجوبتها.
(ومكروا مكرا كبارا، لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، لأنه ما عدم من البداية، فيدعى إلى الغاية (ادعوا إلى الله) فهذا عين المكر على بصيرة. فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم). أي، لما مكر نوح (ع) معهم، مكروا مكرا كبارا في جوابه. وذلك لأن الدعوة إلى الله مكر من الداعي بالمدعو، لأن المدعو ما عدم الحق من البداية حتى يدعى إليه في الغاية، لأنه مظهر هويته في بعض مراتب وجوده، فالحق معه بل هو عينه. فالداعي إذا دعى، مظهرا ما يمكر به: فإنه يريد أن الحق ليس معه، وهو غيره، وهو عين المكر. لكن مثل هذا المكر من الأنبياء إنما هو على بصيرة كما قال: (ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني). أي، يعلم النبي إنه مظهر هوية الحق، لكن يدعوه ليخلصه عن القيود وترتفع عنه الحجب الموجبة للضلالة، فيرى ذاته مظهرا للهوية، ويشاهد جميع الموجودات مظاهر للحق، ويعبده بجميع أسمائه وصفاته، كما عبده من حيث اسمه الخاص. (*)