شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٢١
فيه). أي، وجاء في حق نوح وقومه: (أن لا تتخذوا من دوني وكيلا). فأثبت الملك لقوم نوح على ما زعموا إن ما في أيديهم، من المال والعمر والآلات البدنية والقوى والكمالات، ملك لهم، وطلب منهم أن يتخذوه وكيلا في أمورهم وفي ملكهم. وإنما قال: (وفي نوح) وإن كانت الآية في بنى إسرائيل، كقوله تعالى:
(وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا).
لقوله بعدها: (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا). فجعل بنى إسرائيل من ذرية قوم نوح. (فهم مستخلفون فيهم، فالملك لله). أي، فالمحمديون مستخلفون، بفتح اللام، في أنفسهم وفي كل ما لهم من الكمالات. وإذا كان كذلك، فالملك لله وحده.
(وهو وكيلهم فالملك لهم، وذلك ملك الاستخلاف). أي، الحق وكيل قوم نوح، كما قال فيهم: (أن لا تتخذوا من دوني وكيلا). فالملك لهم. وذلك ملك الاستخلاف والتبعية لا الأصالة، لأن الملك بالأصالة لله وحده. ولما عرف المحمديون هذا المقام بالكشف والشهود أن لا ذات ولا كمال ولا وجود إلا لله، جاء في حقهم من الله ما طابق كشفهم وفهمهم وما مكر معهم. وقوم نوح لما تخيلوا أن ما في أيديهم ملكهم ولهم، جاء في حقهم ما صدقهم، مكرا من الله معهم وتجليا منه لهم على حسب اعتقادهم. فإن الحق لا بد أن يتجلى يوم القيامة على حسب اعتقاد المعتقدين، كما قال: (أنا عند ظن عبدي بي).
(وبهذا كان الحق (ملك الملك) كما قال الترمذي) أي، وبسبب أن الحق أثبت ملك الاستخلاف للعباد الكمل وجعل نفسه وكيلا منهم، (20) وللموكل أن

(20) - قوله: (وجعل نفسه وكيلا منهم). جعل نفسه تعالى وكيلا ليس باعتبار إثبات ملك الاستخلاف، فإن حقيقة ملك الاستخلاف إثبات للمستخلف عنه وسلبه عن الخليفة.
وحقيقة الخلافة هي الفقر المحض المشار إليه بقوله (ص): (الفقر فخري). فليس الوكالة باعتبار ملك الاستخلاف، بل باعتبار ملك الاستقلال الذي كان نظر قوم نوح، عليه السلام، به. (الإمام الخميني مد ظله)
(٥٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 ... » »»