شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥١٥
بالدعوة الروحانية، ونهارا، أي في الشهادة والظاهر بالدعوة الحاصلة بالقوى الجسمانية. (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) من قبول الوحدة وشهود الحق المطلق الظاهر بصور الكثرة.
(وذكر نوح عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته) أي، لما علموا أن إجابة دعوته واجبة عليهم، تصامموا وسدوا أسماع قلوبهم بعدم القبول لقوله، كما قال: و (جعلوا أصابعهم في آذانهم).
(فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح، عليه السلام، في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم). أي، علم الراسخون في العلم بالله وأسمائه وصفاته الذين هم أصحاب الكشف والشهود، معنى ما أشار إليه نوح، عليه السلام، في حق قومه سرا بلسان الذم من حيث صورة الشريعة، وهو الثناء عليهم في الحقيقة. وذلك لأنهم قبلوا دعوته بالفعل لا بالقول: فإنه دعاهم إلى الاسم الظاهر، وهو عالم الملك، ثم إلى الاسم الباطن، وهو عالم الملكوت، ثم إلى الفناء في الله، ذاتا ووجودا وصفة وفعلا، كما مر تقريره آنفا، ولم يف استعدادهم بالترقي إلى هذا الكمال، فسدوا آذانهم من إجابة دعوته مكرا منهم وحيلة ليدعو عليهم بظهور الحق بالتجلي الذاتي بصفة القهارية، فيحصل لهم الكمال المدعو إليه بلسان نبيهم بإجابة دعائه، فدعا عليهم وأوصلهم بكمالهم رحمة منه عليهم في صورة النقمة. كما يشاهد اليوم فيمن ابتلى بأمر منهي لا يقدر على استخلاص نفسه من تلك الخصلة الذميمة، ويحصل له الملامة بسببها كل حين، أنه يطلب من الحاكم إفناء نفسه بلسان قاله وحاله ليخلصه منها. وهذا حال العارفين من أمته. وأما حال المؤمنين المحجوبين منهم والكافرين به فأيضا كذلك، وإن لم يعرفوا ذلك. فإن كل أحد له كمال يليق باستعداده. والنبي رحمة من الله إلى أمته يوصل كلا منهم إلى كماله، لذلك دعا عليهم جملة. والشيخ (رض) نزل الآيات كلها بما يليق بحال الكمل المهديين منهم، لأنهم هم الأناسي في الحقيقة لا غير.
(وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان).
أي، وعلم نوح، عليه السلام، أنهم إنما لم يجيبوا دعوته بالقول لما فيها من
(٥١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 ... » »»