في الذهن وهو كونها في الذهن كما يعرض لها في الخارج وهو كونها في الخارج، فيحصل الذهول عن وجودها في الذهن ولا يحصل عنها. والوجود قد يعرض لنفسه باعتبار تعدده كعروض الوجود العام اللازم للوجودات الخاصة.
والحق ما مر من ان الوجود يتجلى بصفة من الصفات فيتعين ويمتاز عن الوجود المتجلي بصفة أخرى فيصير حقيقة ما من الحقائق الأسمائية، وصورة تلك الحقيقة في علم الحق تعالى هي المسماة بالماهية والعين الثابتة. وان شئت قلت، تلك الحقيقة هي الماهية (48) فإنه أيضا صحيح. وهذه الماهية لها وجود خارجي (49) في عالم الأرواح وهو حصولها فيه، ووجود في عالم المثال وهو ظهورها في صورة جسدانية، ووجود في الحس وهو تحققها فيه، ووجود علمي في أذهاننا وهو ثبوتها فيه. ومن هنا (50) قيل، ان الوجود هو الحصول والكون (51) وبقدر ظهور نور الوجود بكمالاته في مظاهره تظهر تلك الماهيات ولوازمها تارة في الذهن و أخرى في الخارج، فيقوى ذلك الظهور ويضعف بحسب القرب من الحق والبعد عنه وقلة الوسائط وكثرتها وصفاء الاستعداد وكدره، فيظهر للبعض جميع الكمالات اللازمة لها وللبعض دون ذلك. فصور تلك الماهيات إذا كانت في أذهاننا هي ظلالات تلك الصور العلمية، الحاصلة فينا بطريق الانعكاس (52) من المبادي العالية أو بظهور نور الوجود (53) فينا بقدر نصيبنا من تلك الحضرة (54).
ولذلك صعب العلم بحقايق الأشياء على ما هي عليه (55) الا من تنور قلبه بنور الحق وارتفع الحجاب بينه وبين الوجود المحض، فإنه يدرك بالحق تلك الصور العلمية على ما هي عليه في أنفسها، ومع ذلك بقدر إنيته ينحجب عن ذلك فيحصل التميز بين علم الحق بها وبين علم هذا الكامل. فغاية عرفان العارفين اقرارهم بالعجز والتقصير وعلمهم برجوع الكل إليه وهو العليم الخبير. فان علمت قدر ما سمعت فقد أوتيت الحكمة: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا).
تتميم الأعيان (56) من حيث تعيناتها العدمية (57) وامتيازها من الوجود المطلق راجعة