شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٧
في الذهن وهو كونها في الذهن كما يعرض لها في الخارج وهو كونها في الخارج، فيحصل الذهول عن وجودها في الذهن ولا يحصل عنها. والوجود قد يعرض لنفسه باعتبار تعدده كعروض الوجود العام اللازم للوجودات الخاصة.
والحق ما مر من ان الوجود يتجلى بصفة من الصفات فيتعين ويمتاز عن الوجود المتجلي بصفة أخرى فيصير حقيقة ما من الحقائق الأسمائية، وصورة تلك الحقيقة في علم الحق تعالى هي المسماة بالماهية والعين الثابتة. وان شئت قلت، تلك الحقيقة هي الماهية (48) فإنه أيضا صحيح. وهذه الماهية لها وجود خارجي (49) في عالم الأرواح وهو حصولها فيه، ووجود في عالم المثال وهو ظهورها في صورة جسدانية، ووجود في الحس وهو تحققها فيه، ووجود علمي في أذهاننا وهو ثبوتها فيه. ومن هنا (50) قيل، ان الوجود هو الحصول والكون (51) وبقدر ظهور نور الوجود بكمالاته في مظاهره تظهر تلك الماهيات ولوازمها تارة في الذهن و أخرى في الخارج، فيقوى ذلك الظهور ويضعف بحسب القرب من الحق والبعد عنه وقلة الوسائط وكثرتها وصفاء الاستعداد وكدره، فيظهر للبعض جميع الكمالات اللازمة لها وللبعض دون ذلك. فصور تلك الماهيات إذا كانت في أذهاننا هي ظلالات تلك الصور العلمية، الحاصلة فينا بطريق الانعكاس (52) من المبادي العالية أو بظهور نور الوجود (53) فينا بقدر نصيبنا من تلك الحضرة (54).
ولذلك صعب العلم بحقايق الأشياء على ما هي عليه (55) الا من تنور قلبه بنور الحق وارتفع الحجاب بينه وبين الوجود المحض، فإنه يدرك بالحق تلك الصور العلمية على ما هي عليه في أنفسها، ومع ذلك بقدر إنيته ينحجب عن ذلك فيحصل التميز بين علم الحق بها وبين علم هذا الكامل. فغاية عرفان العارفين اقرارهم بالعجز والتقصير وعلمهم برجوع الكل إليه وهو العليم الخبير. فان علمت قدر ما سمعت فقد أوتيت الحكمة: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا).
تتميم الأعيان (56) من حيث تعيناتها العدمية (57) وامتيازها من الوجود المطلق راجعة

(48) - باعتبار اتحاد التعين مع المتعين أو الظاهر مع المظهر. 12 (49) - أي، ظل خارجي لا ان تلك الماهية تتجافى عن مقامها. 12 (50) - أي، من جهة كون الماهية موجودة بوجه وزائدا على نفسها في تلك العوالم. 12 (51) - باعتبار الحصول في تلك المراتب. 12 (52) - أي، يظهر في مرآة النفس ما كان في المبادئ نحو ظهور العكس في المرايا ويكون النفس آلة لملاحظتها كما ان المرآة يكون آلة لظهور الصور فيها.
(53) - يحتمل ان يكون معناه بطريق التوسط فيكون معنى قوله: (أو بظهور نور الوجود) ظهوره بلا واسطة من الوجه الخاص. (غلامعلى) (54) - بالاتصال التام والفناء في إنيته يرى الأشياء كما هي عليه في الخارج والا يلزم التكرار في التجلي.
(55) - لأنه يصعب الإحاطة بتلك الحضرة.
(56) - أي، الأعيان العلمية المتعينة في الفيض الأقدس لها حيثيتان: حيثية كونها وجودات خاصة، وحيثية كونها فاقدة لما في الوجود المطلق، وهذا مناط تميزها عنه لا كونها واجدا لما ليس فيه فإنه محال. فمن الحيثية الأولى كانت عين الوجود وبالحيثية الثانية راجعة إلى العدم. (غلامعلى) (57) - وليعلم ان الوجود الامكاني ظل لوجود الحق، ظل الشئ باعتبار حكايته عن الوجود الأصلي الحقيقي ليس ما فيه ينظر بل ما به ينظر لأنه بهذه الملاحظة لا نفسية له ووجوده و كمالاته ظلال بل ظل لوجود الحق ولذا قال الصادق (ع) في جواب بعض أصحابه حيث سئل عنه (ع): الظل شئ أم ليس بشئ قال عليه السلام، فانظر إلى ظلك انه شئ وليس بشئ. هذا مراد من قال بعدمية الممكنات. والممكنات عكوس واظلال لوجود المطلق.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 75 76 77 78 ... » »»