معدومة في الخارج والمجعول لا يكون الا موجودا، كما لا يوصف الصور العلمية والخيالية التي في أذهاننا بأنها مجعولة ما لم توجد في الخارج، ولو كانت كذلك لكانت الممتنعات (33) أيضا مجعولة لأنها صور علمية. فالجعل انما يتعلق بها بالنسبة إلى الخارج وليس جعلها الا ايجادها في الخارج لا ان الماهية جعلت ماهية فيه (34)، و بهذا المعنى تعلق الجعل بها في العلم أولى، وحينئذ يرجع النزاع لفظيا (35) إذ لا يمكن ان يقال ان الماهيات ليست بإفاضة مفيض في العلم واختراعه والا يلزم ان لا يكون حادثة بالحدوث الذاتي، لكنها ليست مخترعة كاختراع الصور الذهنية التي لنا إذا أردنا اظهار شئ لم يكن، ليلزم تأخر الأعيان العلمية عن الحق في الوجود تأخرا زمانيا، بل علمه تعالى ذاته بذاته يستلزم الأعيان من غير تأخرها عنه تعالى في الوجود فبعين العلم الذاتي يعلم تلك الأعيان لا بعلم آخر، كما توهم من جعل علمه بالعالم عين العقل الأول (36)، فافهم.
تنبيه آخر اعلم، ان للأعيان الثابتة اعتبارين (37): اعتبار انها صور الأسماء (38)، واعتبار انها حقايق الأعيان الخارجية. فهي بالاعتبار الأول كالأبدان للأرواح وبالاعتبار الثاني كالأرواح للأبدان. وللأسماء أيضا اعتباران: اعتبار كثرتها واعتبار وحدة الذات المسماة بها كما مر. فباعتبار تكثرها محتاجة إلى الفيض من الحضرة الإلهية الجامعة لها وقابلة له كالعالم، وباعتبار وحدة الذات الموصوفة بالصفات أرباب لصورها فياضة إليها، فبالفيض الأقدس الذي هو التجلي بحسب أولية الذات و باطنيتها يصل الفيض من حضرة الذات إليها وإلى الأعيان دائما، ثم بالفيض المقدس الذي هو التجلي بحسب ظاهريتها وآخريتها وقابلية الأعيان و استعداداتها يصل الفيض من الحضرة الإلهية إلى الأعيان الخارجية. وكل عين (39) هي كالجنس لما تحتها واسطة في وصول ذلك الفيض إلى ما تحتها من وجه إلى ان ينتهى إلى الاشخاص كوساطة العقول والنفوس المجردة إلى ما تحتها مما في عالم الأكوان والفساد وان كان يصل الفيض إلى ماله وجود من الوجه الخاص الذي له