بهذا المعنى إذ عنده ان العقل وغيره مغاير للحق تعالى ماهية ووجودا ومعلول من معلولاته، فيلزم ان يكون في أشرف صفاته محتاجا إلى غيره، تعالى عنه.
والحق ان كل من انصف يعلم في نفسه ان الذي أبدع الأشياء وأوجدها من العدم إلى الوجود، سواء كان العدم زمانيا أو غير زماني، يعلم تلك الأشياء بحقايقها وصورها اللازمة لها الذهنية والخارجية قبل ايجاده إياها، والا لا يمكن اعطاء الوجود لها فالعلم غيرها.
والقول باستحالة ان يكون ذاته تعالى وعلمه الذي هو عين ذاته محلا للأمور المتكثرة انما يصح إذا كانت غيره تعالى، كما عند المحجوبين عن الحق (61)، اما إذا كانت عينه من حيث الوجود (62) والحقيقة وغيره باعتبار التعين والتقيد فلا يلزم ذلك. وفي الحقيقة ليس حالا ولا محلا (63) بل شئ واحد ظهر بصورة المحلية تارة والحالية أخرى (64). فنفس الامر (65) عبارة عن العلم (66) الذاتي الحاوي لصور الأشياء كلها، كليها وجزئيها، صغيرها وكبيرها، جمعا وتفصيلا، عينية كانت أو علمية (67): (لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء).
فان قلت: العلم تابع للمعلوم (68)، وهو الذات الإلهية وكمالاتها، فكيف يكون عبارة عن نفس الامر؟
قلت: الصفات الإضافية لها اعتباران: اعتبار عدم مغايرتها للذات و اعتبار مغايرتها لها (69). فبالاعتبار الأول، العلم والإرادة والقدرة وغيرها من الصفات التي يعرض لها الإضافة ليس تابعا للمعلوم والمراد والمقدور لأنها عين الذات ولا كثرة فيها، وبالاعتبار الثاني، العلم تابع للمعلوم وكذلك الإرادة والقدرة تابعة للمراد والمقدور. وفي العلم اعتبار آخر وهو حصول صور الأشياء فيه فهو ليس من حيث تبعيته لها عبارة عن نفس الامر بل من حيث ان صور تلك الأشياء حاصلة فيه عبارة عنه. ومن حيث تبعيته لها يقال، الأمر في نفسه كذا (70)، أي تلك الحقيقة التي يتعلق بها العلم وليست غير الذات (71) في نفسها كذا (72). و جعل بعض العارفين العقل الأول عبارة عن نفس الامر حق لكونه مظهرا للعلم الإلهي من حيث إحاطته بالكليات المشتملة على جزئياتها ولكون علمه مطابقا لما