شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٠
بهذا المعنى إذ عنده ان العقل وغيره مغاير للحق تعالى ماهية ووجودا ومعلول من معلولاته، فيلزم ان يكون في أشرف صفاته محتاجا إلى غيره، تعالى عنه.
والحق ان كل من انصف يعلم في نفسه ان الذي أبدع الأشياء وأوجدها من العدم إلى الوجود، سواء كان العدم زمانيا أو غير زماني، يعلم تلك الأشياء بحقايقها وصورها اللازمة لها الذهنية والخارجية قبل ايجاده إياها، والا لا يمكن اعطاء الوجود لها فالعلم غيرها.
والقول باستحالة ان يكون ذاته تعالى وعلمه الذي هو عين ذاته محلا للأمور المتكثرة انما يصح إذا كانت غيره تعالى، كما عند المحجوبين عن الحق (61)، اما إذا كانت عينه من حيث الوجود (62) والحقيقة وغيره باعتبار التعين والتقيد فلا يلزم ذلك. وفي الحقيقة ليس حالا ولا محلا (63) بل شئ واحد ظهر بصورة المحلية تارة والحالية أخرى (64). فنفس الامر (65) عبارة عن العلم (66) الذاتي الحاوي لصور الأشياء كلها، كليها وجزئيها، صغيرها وكبيرها، جمعا وتفصيلا، عينية كانت أو علمية (67): (لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء).
فان قلت: العلم تابع للمعلوم (68)، وهو الذات الإلهية وكمالاتها، فكيف يكون عبارة عن نفس الامر؟
قلت: الصفات الإضافية لها اعتباران: اعتبار عدم مغايرتها للذات و اعتبار مغايرتها لها (69). فبالاعتبار الأول، العلم والإرادة والقدرة وغيرها من الصفات التي يعرض لها الإضافة ليس تابعا للمعلوم والمراد والمقدور لأنها عين الذات ولا كثرة فيها، وبالاعتبار الثاني، العلم تابع للمعلوم وكذلك الإرادة والقدرة تابعة للمراد والمقدور. وفي العلم اعتبار آخر وهو حصول صور الأشياء فيه فهو ليس من حيث تبعيته لها عبارة عن نفس الامر بل من حيث ان صور تلك الأشياء حاصلة فيه عبارة عنه. ومن حيث تبعيته لها يقال، الأمر في نفسه كذا (70)، أي تلك الحقيقة التي يتعلق بها العلم وليست غير الذات (71) في نفسها كذا (72). و جعل بعض العارفين العقل الأول عبارة عن نفس الامر حق لكونه مظهرا للعلم الإلهي من حيث إحاطته بالكليات المشتملة على جزئياتها ولكون علمه مطابقا لما

(٦١) - المشائين.
(٦٢) - ليس المراد به المفهوم بل الوجود المتعين. والحاصل ان تعين الوجود امر سلبي فالوجود المتعين من حيث نفس الوجود والحقيقة المتجلية عين الحقيقة لا غير. ١٢ (٦٣) - لان الوجود في حد ذاته ليس بحال ولا محل ولهذا ظهر بصورتيهما. ١٢ (٦٤) - والصواب ان يقال: شئ واحد ظهر في ملابس أسمائه وصفاته، فإنها قائمة بالفيض الأقدس لا حالية ولا محلية أصلا. (محمد رضا، سلمه الله تعالى) (٦٥) - وجه التفريع ان العلم إذا كان عبارة عن العقل الأول، كما ذهب إليه بعض الحكماء، فنفس الامر أيضا عبارة عنه وإذا بطل كونه علما فنفس الامر عبارة عن العلم الذاتي لا العقل الأول. ١٢ (٦٦) - اطلاق العلم الذاتي على العلم في مرتبة الواحدية باعتبار عدم سوائية الفيض الأقدس له تعالى، لان هذا التجلي لا يخرجه عن مرتبة الاطلاق بل هو موجود بعين وجود الحق تعالى لا بايجاده. ١٢ (٦٧) - الترديد باعتبار المعلومات الممتنع وجودها في العين، والمعلومات الممكن وجودها في العين والا ليس الكلام في الوجودات العينية. قال الأستاذ، قدس سره: ان هذه الأمور المتكثرة ليست قائمة بذاته تعالى حتى يلزم كونه محلا للأمور المتكثرة ويحتاج إلى ما قيل في دفعه بل تلك الأمور المتكثرة قائمة بالفيض الأقدس في مرتبة الواحدية، بل لا حالية ولا محلية هنا، لان قيامها به قيام صدوري لا حلولي بل تلك الأمور العلمية والأمور المتكثرة نفس العلم المنزل في تلك المرتبة وشئونه. أقول، هذا في نفسه حق، ولكن المقصود العلم بها تفصيلا في مرتبة الذات قبل الفيض الأقدس والعلم بها في تلك المرتبة لا يستلزم كونها في تلك المرتبة فللعلم حكم وللمعلوم حكم، فلا ينافي كونه في الأزل كونها فيما لا يزال.
فافهم. (غلامعلى) (٦٨) - قوله: (فان قلت العلم تابع للمعلوم). لما قال (فنفس الامر عبارة عن العلم الذاتي) ويرد عليه ان العلم تابع للمعلوم والمعلوم هو الذات الإلهية وكمالاتها لأنه ليس في الوجود عينا و علما سوى الذات الإلهية وشئونه الذاتية التي هي كمالاتها فنفس الامر هو المعلوم المتبوع لا العلم التابع له المطابق لما في نفس الامر. فأراد دفع ذلك الايراد عن نفسه بقوله هذا. و حاصل الجواب ان العلم من الصفات الإضافية، أي ذوات الإضافة ولها اعتباران:
اعتبار أنفسها واعتبار اضافتها العارضة لها، وبالاعتبار الأول هو عين الذات الإلهية لا تابعية لها بل هي متبوعة، وبالاعتبار الثاني العلم وساير الصفات الإضافية كالقدرة والإرادة تابعة لما يضاف إليه. وللعلم اعتبار آخر ليس لساير الصفات الإضافية وهو حصول صور الأشياء فيه التي عبر عنها بالكمالات الإلهية تارة وبالشؤون الذاتية تارة، و باعتبار بالشؤون الإلهية والأسماء وصورها تارة، وباعتبار نفس الامر عبارة عن علمه تعالى بهذا الاعتبار. (محمد رضا، سلمه الله تعالى) (٦٩) - قال صدر المتألهين في إلهيات الاسفار: أحد الاعتبارين عدم مغايرته للذات الأحدية وهي بهذا الاعتبار من صفات الله وغير تابعة للأعيان الثابتة الموجودة في الخارج، إذ به صدرت وجودات الأشياء في الخارج، ولهذه الجهة قيل علمه فعلى. وثانيهما اعتبار اضافته إلى الأشياء، أي الأعيان الثابتة، وهو بهذا الاعتبار تابع للأشياء متكثر بتكثرها.
(٧٠) - ولا يقال، الامر في نفس الامر كذا، كما ان بالاعتبار الأول أي حصول صور... لا يقال والامر في نفسه. 12 (71) - أي، هي ذاتها من حيث هي هي.
(72) - خبر لتلك.
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 61 62 63 64 ... » »»