شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٣٣
الذات لا يكون إلا على صورة المتجلى له، وهو العبد وبحسب استعداده، لأن الذات الإلهية لا صورة لها متعينة ليظهر الذات بها، وهي مرآة الأعيان، فتظهر صورة المتجلى له فيها بقدر استعداده، كما أن الحق يظهر في مرايا الأعيان بحسب إستعداداتها وقابلياتها بظهور أحكامه، غير ذلك لا يكون، إذ لا بد من المناسبة بين المتجلي والمتجلى له، ولما كان المتجلي وجودا مطلقا غير مقيد باسم جزئي وصفة معينة، كذلك لا بد أن يكون المتجلى له مخلصا عن رق القيود المشخصة و عبودية الأسماء الجزئية إلا عن القيد الذي به تميزت ذاته عن ربه، لأن الشئ لا يمكن أن يتخلص عن ذاته إلا بالفناء، وحينئذ ينعدم المتجلى له والكلام مع بقائه. فهذا القيد لا يقدح في إطلاقه، إذ به هو هو. فإذا خلص عنها وحصلت المناسبة من هذه الحيثية بينه وبين ربه، حصل التجلي الذاتي، ولا يرى حينئذ سوى صورة عينه في مرآة الحق.
وما اشتهر بين الطائفة أن التجلي الذاتي يوجب الفناء وارتفاع الإثنينية، إنما هو إذا كان التجلي الذاتي بصفة (القهر) و (الوحدة) المقتضية لارتفاع الغيرية و انقهارها، ولذلك جاء: (الواحد القهار) في قوله تعالى: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار). أو نقول، إن كلامه (رض) محمول على حال البقاء بعد الفناء، و حينئذ لا يوجب الفناء مرة أخرى. والمراد ب‍ (الاستعداد) هنا الاستعداد الكلى الذي لعين المتجلى له بعد تخلصها عن مقتضيات النفس وطهارتها عن كدوراتها، لا الجزئي، وإلا يشتبه الأمر. فإن النفس قد يتجلى على الشخص في بعض المقامات وتظهر بالربوبية قبل أن يتخلص عن رق القيود، ويكون شيطانيا لا رحمانيا، وقليل من يميز بينهما. ومن هنا يدعى العبد ويظهر بالربوبية، كالفراعنة.
(وما رأى الحق، ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه، كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصور فيها: لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك) والحاصل أن الإنسان إذا كمل، يتجلى له الحصة التي له من الوجود المطلق، وما هي إلا عينه الثابتة لا غير، فما رأى الحق بل رأى صورة عينه، فلا
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 427 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»