أما خاتم الأولياء، فلأن غيره من الأولياء لا يأخذون ما لهم إلا منه، حتى أن الرسل، أيضا، لا يرون الحق إلا من مشكاته ومقامه. وإليه أشار بقوله: (وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء).
واعلم، أن الأنبياء مظاهر أمهات أسماء الحق، وهي داخلة في الاسم الأعظم الجامع، ومظهره الحقيقة المحمدية، لذلك صارت أمته خير الأمم و شهداء عليهم يوم القيامة، وهو، عليه السلام، يزكيهم عند ربهم. وقال، عليه السلام: (علماء أمتي كأنبياء بنى إسرائيل) (12) فلما كان شأن النبوة والرسالة مأخوذا من مقامه، صلى الله عليه وسلم، وقد انختمت مرتبتها وبقيت مرتبة الولاية التي هي باطن النبوة والرسالة لأنها غير منقطعة، فيظهر هذه المرتبة في الأولياء بحسب الاستعدادات التي كانت لهم شيئا فشيئا إلى أن يظهر بتمامها فيمن هو مستعد لها، وهو المراد بخاتم الأولياء، وهو عيسى (ع) كما سيأتي بيانه.
وصاحب هذه المرتبة أيضا بحسب الباطن هو خاتم الرسل، لأنه هو مظهر الاسم الجامع. وكما أن الله يتجلى من وراء حجب الأسماء التي تحت مرتبته للخلق، كذلك هذا الخاتم يتجلى عن عالم غيبه في صورة خاتم الأولياء للخلق، فيكون هذا الخاتم مظهرا للولاية التامة، ويكون كل من الأنبياء والأولياء صاحب ولاية، وهو مظهر لجميعها، فيكون مظهر حصة كل منهما من مقام جمعه. فخاتم الرسل ما رأى الحق إلا من مرتبة ولاية نفسه، لا من مرتبة غيره، فلا يلزم النقص. ومثاله الخازن إذا أعطى بأمر السلطان للحواشي من الخزينة شيئا و للسلطان أيضا، فالسلطان أخذ منه كغيره من الحواشي ولا نقص.