شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٤٠
الختم، صلى الله عليه وآله. وذلك قول حق لا ريب فيه. ثم عينه بأنه عيسى، عليه السلام. وفيه نظر. لأن المظهر كلما كان أقرب من الظاهر كان أتم، ولا أقرب إليه، صلى الله عليه وآله، في الأولياء من أمير المؤمنين على بن أبى طالب، عليه السلام، لقوله تعالى: (وأنفسنا وأنفسكم). فقرره نفس الرسول، ولا أقرب إلى الشئ من نفسه، و لقول المصنف، رضى الله عنه: (وأقرب الناس إليه على بن أبى طالب إمام العالم وسر الأنبياء أجمعين). فيجب أن يكون مراده بخاتم الأولياء، هاهنا، على بن أبى طالب، عليه السلام، لا عيسى عليه السلام. وقول العلامة القيصري، كما سيأتي بيانه، سيأتي جوابه.
وقد علمت أن كونه خاتم الأولياء لا ينافي كون صاحب هذا العصر خاتم الأولياء بهذا المعنى، لأنهما بل إنهم عين واحدة، وقد بينته. ثم أفاد العلامة المذكور: (أن صاحب هذه المرتبة، أيضا بحسب الباطن، هو خاتم الرسل، لأنه هو المظهر الجامع، فكما أن الله يتجلى من وراء حجب الأسماء التي تحت مرتبته للخلق، كذلك هذا الخاتم يتجلى من عالم غيبه في صورة خاتم الأولياء للخلق، فيكون هذا الخاتم مظهرا للولاية التامة). - إنتهى.
وفيه تأييد تام لما ذهبنا إليه من كونه، عليه السلام، هذا الخاتم ومظهرا للولاية التامة، لأنه، عليه السلام، صورة غيب ختم جميع الأنبياء عليهم السلام، كما قال الشيخ: (و سر الأنبياء أجمعين). ورسول الله من الأنبياء فهو سر رسول الله وغيبه، وسره ولايته، وولايته ختم الولاية، فهو خاتم الولاية.
(* لان مرتبة ولايته عين ولاية محمد (ص) وإنهما متحدان بحسب أصل الولاية. قال رسول الله: (أنا وعلى من نور واحد.) وروى: من شجرة واحدة. والناس من أشجارشتى. (ج)) ولذلك كان ليلة الإسرى معه ومطلعا على سره حيث أخبر به قبل أن يخبر عن نفسه، وفيه قال لسان الغيب:
سر خدا كه عارف سالك به كس نگفت * در حيرتم كه باده فروش از كجا شنيد ويظهر منه أيضا، أن خاتم الأولياء حسنة من حسنات خاتم الأنبياء، كما سيصرح الشيخ به، لأنه من ظهوراته وشؤوناته، ولذلك قال: (أنا عبد من عبيد محمد). فإن عبيد الشئ ظهوراته وشؤوناته، كما أن عباد الله من الملك والملكوت شؤوناته وظهوراته. و العبودية والربوبية لا يتحقق ولا يمكن إن يكون إلا بالظاهرية والمظهرية، ولذلك قال الله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن). وقال الإمام الناطق بالحق محتد العلوم و المعارف، أبو عبد الله جعفر الصادق، عليه السلام: (العبودية جوهرة كنهها الربوبية). - الحديث. فتبت ألسنة القائلين بأن الولي أكمل من النبي، ويسندون ذلك المجازفة إلى أولياء العلم والمعرفة.
قوله:
(* أي، قول الشيخ فى الفصوص.) (فإن الرسالة والنبوة...) إلى آخره. شرح الشارح العلامة يغنى عن بيانه، إلا أنه لم يصرح وجه ارتباطه بما قبله. وهو أنه يستفاد عما قبله أن جهة الولاية أعلى وأشرف من جهة النبوة. ولعل الطباع يستبعدون ذلك، فأزال ذلك الاستبعاد بأن الرسالة والنبوة ينقطعان والولاية لا ينقطع، فغير المنقطع أعلى من المنقطع. والشارح (* يعنى، شارح علامه، داود محمود رومى، در شرح خود بر فصوص. (ج)) أشار إليه وإلى سر الانقطاع وعدمه بقوله: (الرسالة والنبوة من الصفات الكونية الزمانية، والولاية صفة إلهية...) إلى آخره.
قول الشيخ: (فالمرسلون...) (* شيخ در فصوص گويد: فالمرسلون من كونهم أولياء لايرون ما ذكرناه ألا من مشكاة خاتم الاولياء... وإن كان خاتم الاولياء تابعا فى الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع. فلذلك لايقدح فى مقامه ولايناقض ماذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل، كما أنه من وجه يكون أعلى... (ج)) إلى قوله: (من التشريع) تأكيد لما سبق مع زيادة فائدة، وهي إفادة كون خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل.
قوله: (فذلك لا يقدح...) إلى آخره. أقول: قد علمت فيما مر أن النبوة ليست إلا الولاية الكاملة، فإذا اعتبر الولاية الخالية عن نبوة التشريع، يكون ناقصا بالقياس إليها.
ولا عجب في متابعة الولي للنبي، وإذا أعتبر مرتبتهما وقيس بينهما، فالولاية أشرف من النبوة، فليعجب متابعة الولي للنبي، والشيخ اعتبرهما بالوجه الثاني، وأزال الاستعجاب بهذا القول إلى قوله، فتتحقق ما ذكرناه.
قال الشارح العلامة القيصري في فص الشيثي: (ولا ينبغي أن يتوهم أن المراد بخاتم الأولياء هو المهدى، فإن الشيخ، قدس سره، صرح بأنه عيسى، عليه السلام، و هو يظهر من العجم، والمهدى من أولاد النبي، صلى الله عليه وآله، ويظهر من العرب.
كما سنذكره بألفاظه).
أقول: قد علمت أن المراد بخاتم الأولياء هاهنا أمير المؤمنين، على بن أبى طالب، عليه السلام. وقول الشارح أنه صرح بأنه عيسى، مدفوع بأن لكل كلمة مع صاحبتها مقام، فإن لخاتم الأولياء إطلاقات يطلق في كل مورد على شخص.
قوله: (ولما مثل النبي...) (* قال الشيخ فى فصوصه: فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم فى كل شىء وفى كل مرتبة، وإنما نظر الرجال إلى التقدم فى رتب العلم بالله... ولما مثل النبى النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة واحدة... وأما خاتم الاولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله، عليهما السلام. (ج)) إلى آخره، حكم من أحكام خاتم الولاية مطلقا ومعناه ظاهر. ونقل الشارح العلامة عنه في فتوحاته أنه رأى حائطا من ذهب وفضة، وحمل كلامه هذا على أنه، رضى الله عنه، خاتم الولاية المقيدة المحمدية، لا الولاية المطلقة التي لمرتبته الكلية. هذا مؤيد لما ذكرنا من أنه من أحكام خاتم الولاية مطلقا، ولا يختص بخاتم دون خاتم. وأيضا فيه تأييد أن لخاتم الأولياء إطلاقات.
واعلم، أن الولاية المقيدة المحمدية التي قال به الشارح وحمل مراد الشيخ عليه، غير الولاية المقيدة التي بيناه في الأقسام ويحمل عليه وكلامه في عد نفسه خاتم الأولياء، فإن الولاية المقيدة عنده هي الولاية الكلية المطلقة المضافة إلى نبي من الأنبياء على ما صرح به نفسه. ونقل عنه أيضا أنه قال في الفصل الثالث عشر من أجوبة الإمام محمد بن على الترمذي: (الختم ختمان: ختم يختم الله به الولاية مطلقا، وختم يختم الله به الولاية المحمدية. فأما ختم الولاية على الإطلاق فهو عيسى، عليه السلام، فهو الولي بالنبوة المطلقة في زمان هذه الأمة، وقد حيل بينه وبين نبوة التشريع والرسالة، فينزل في آخر الزمان وارثا خاتما لا ولى بعده، فكان أول هذا الأمر نبي وهو آدم، وآخره نبي وهو عيسى، أعني نبوة الإختصاص. فيكون لها حشران: حشر معنا، وحشر مع الأنبياء و الرسل. وأما ختم الولاية المحمدية فهو لرجل من العرب من أكرمها أصلا وبدءا. وهو في زماننا اليوم موجود. عرفت به سنة خمس وتسعين وخمسمأة. ورأيت العلامة التي قد أخفاها الحق فيه عن عيون العباد، كشفها لي بمدينة فاس حتى رأيت خاتم الولاية منه، و هو خاتم النبوة المطلقة.
(* در بعضى از نسخ، از جمله چاپ سنگى طهران " وهى الولاية الخاصة " ذكر شده است ودر اكثر نسخه ها " وهو خاتم الولاية المطلقة " آمده است. مراد از ولايت خاصه ولايت مختص به مقام ختمى مرتبت است كه قهرا ولايت مطلقه است. لذا باطن نبوت مطلقه است. (ج)) لا يعلمه كثير من الناس وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقق به من الحق في سره. وكما أن الله ختم بمحمد، صلى الله عليه وآله، نبوة التشريع، كذلك ختم الله بالختم المحمدي الولاية التي يحصل من الوارث المحمدي لا التي من سائر الأنبياء، فإن من الأولياء من يرث إبراهيم وموسى وعيسى، فهؤلاء يوجدون بعد هذا الختم المحمدي، ولا يوجد ولى على قلب محمد. هذا معنى ختم الولاية المحمدية. وأما ختم الولاية العامة الذي لا يوجد ولى بعده، فهو عيسى، عليه السلام). إنتهت عبارته.