شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٢٧
حدوثا زمانيا، لئلا يلزم أن يكون الحادث صفة للواجب. وهو أعلى وجه للمتكلم في هذه المسألة بنظره الفكري.
وجواب (لو لا) محذوف، تقديره: لو لا أن المتكلم أثبت العلم زائدا مطلقا على الذات، فجعل التعلق له لا للذات، لكان ممن فاز بالتحقيق واتصل بأهله. (وبهذا انفصل) أي، يجعله زائدا على الذات مطلقا، عن أهل التحقيق، إذ المحقق قائل بأنه عين الذات في مرتبة مطلقا، وفي أخرى عينه من وجه، غيره من وجه آخر، وهي عند كونه نسبة من النسب الذاتية. ولما كان المراد بالمحقق هو الذي انكشف له أحدية الحق وسريانه في المراتب الوجودية الموجبة للتعدد والتكثر الموهمة لوجود الأغيار وشاهد الأمور على ما هي عليها بحسب الكشف والذوق، قال (رض): (من أهل الله صاحب الكشف والوجود).
والمراد بالوجود هنا (الوجدان).
ومن أمعن النظر فيما مر من المقدمات وتحقق بأسراره، لا يزاحمه الشكوك والشبهات الوهمية التي تقع في مثل هذه المباحث.
(ثم نرجع إلى الأعطيات، فنقول، إن الأعطيات إما ذاتية، أو أسمائية (9) فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجلى إلهي، والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له، (10) غير ذلك لا يكون. فإذا المتجلى له،

(9) - قوله: (إما ذاتية...). اعلم، أن الذات المقدسة، بما هي هي، لا يتجلى لمرآة من المرائي ولا يظهر في عالم من العوالم، إلا من وراء حجب الأسماء، بل سائر الفواعل غير ذات الباري أيضا كذلك. فالذات دواما محجوبة بحجاب الأسماء والصفات. فالمنح الذاتية لم تكن من الذات بما هي هي، بل منها بتعين الأسماء الإطلاقية، كاسم (الله) الأعظم و الاسم (الرحمن) بمقامه الجمعي. والمنح الأسمائي ما كانت منها بتعين الأسماء الأخر، كالرحمن، باعتبار الآخر، والواسع وغيرهما. (الإمام الخميني مد ظله) (10) - هذه العبارة لا تخلو عن صعوبة وانغلاق، وقد أوضحه شيخنا الأقدم، قدوة العرفاء و الحكماء، ميرزا محمد رضا أصفهاني (قمشه‌اى)، في تعاليقه المباركة:
قوله في فص الشيثي: (والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له). أقول: اعلم، أن المتجلي قد يكون متجليا بذاته بأن يكون التجلي نفس ذات المتجلي بلا اختلاف جهة واعتبار: وذلك في الشاهد كضوء الشمس، فإنه يتجلى للمتجلى له بنفس ذاته لا بأمر منفصل عن ذاته فائض عنه، وفي الغائب كذاته تعالى، فإنه متجل بذاته لنفس ذاته وليس تجليه وظهوره لنفس ذاته بغير نفس ذاته، فإن حيث ذاته حيث الجلاء و الظهور لأنه محض الوجود وصرف النور: (الله نور السماوات والأرض). فيكون التجلي والمتجلي و المتجلى له أمر واحد وحيث فارد. وقد يكون متجليا بأمر فائض عن ذاته منفصل عن هويته. لست أقول بالانفصال في الذات والحقيقة بل في النعت والمرتبة، فإن ظهور الشئ يمتنع أن يكون بشئ يخالفه ويباينه في الذات والحقيقة وإلا فيكون الأشياء المتبائنة بالذات بعضها مظهرا لبعضها، ويكون كل شئ ظاهرا في كل شئ، والأمر لا يكون كذلك. ومثال ذلك في الشاهد جرم الشمس إذا فرضنا بأنه ضياء وآمنا بقوله: (وجعل الشمس ضياءا والقمر نورا). فإنه يكون متجليا للأشياء بالضوء الفائض عنه لها، وليس الضوء الفائض عنه نفس ذاته في مرتبته بل عينه بوجه وغيره بوجه: وبالأول ظهوره، و بالثاني حجابه، وفي الغائب أيضا ذاته الأقدس، فإنه متجل لعباده بأمره وخلقه، والخلق عينه بوجه وغيره بوجه: ظهوره بالأول، وحجابه بالثاني: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم لتبين لهم أنه الحق). وقوله، صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لله سبعين ألف حجاب من نور، وسبعين ألف حجاب من ظلمة). فإذا كان التجلي بالانفصال و الفيضان، يستحيل أن يكون في مرتبة المتجلي، فالتجلي دون المتجلي، والمتجلي فوق التجلي. غير ذلك لا يكون. ثم اعلم، أنه تعالى يمتنع أن يتجلى ويظهر لما سواه بنفس ذاته الأقدس، بالدراية و الديانة واتفاق أهل الله وأصحاب القلوب وأهل الشهود. والأخير يظهر بالتتبع في أقوالهم وزبرهم.
أما الديانة - فقوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه). وقوله تعالى في جواب موسى بن عمران، على نبينا وآله عليه السلام، حيث قال في طلب الرؤية (رب أرني أنظر إليك):
(لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني. فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا). أي، يمتنع أن يشاهدني غيري، أو يراني سواي بظهور نفس ذاتي وجلاء عين هويتي له بلا حجاب، ولكن أنظر إلى الجبل لتنظر إلى وتراني من وراء حجاب التجلي، وإن كان التجلي يفنيك، فإني أبقينك. فإن التجلي قد تفنى وقد لا تفنى، وقد يوجب الرؤية وقد لا يوجب الرؤية، كما ستعلم كل ذلك إنشاء الله تعالى.
واعلم، أن الفناء في الذات قسمان: فناء استهلاك، كضياء نور السراج والكواكب في نور الشمس، وحينئذ يبقى عين الفاني وذاته ويرتفع حكم إنيته ويبقى بعد الفناء وله الفرق بعد الجمع، وفناء هلاك، كفناء الأمواج عند سكون البحر، وحينئذ يزول الفاني و يرفع عينه ولا يبقى أثره وليس له البقاء بعد الفناء لامتناع إعادة المعدوم.
وأما الدراية - فإنا إذا فرضنا أنه تعالى تجلى بغيره بنفس ذاته الأقدس، فإما أن يتجلى بأن ينزل عن مرتبة ذاته إلى مرتبة ذلك الغير ويتجافى عنها، وإما بأن يتصاعد ذلك الغير إليه ليشاهده ويراه، وكل منهما باطل:
أما الأول، فلأنه يوجب أن يكون ما لا يتجدد متجددا، ويوجب التغير في ذاته الأقدس. تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وأما الثاني، فلأنه يوجب أن يكون الشئ خارجا من القوة إلى الفعل من غير مخرج إياه، بل يوجب أن يسعى إلى هلاك نفسه وبطلان ذاته، ويوجب أن يكون المعدوم مشاهدا له رائيا إياه، والكل باطل. وإذا كان التالي، بكلا قسميه، باطلا، فالمقدم مثله.
إذا عرفت ذلك، فنقول: التجليات الإلهية إما ذاتية، وإما أسمائية. والمراد بالتجليات الذاتية ما يكون بأسماء الذات. وهي على ما عينه الشيخ في إنشاء الدوائر ونقل عنه الشارح المحقق القيصري، ثلاثون اسما مذكورة في المقدمة. ومن الأسماء ما هي مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا هو ومن تجلى له الحق بالهوية الذاتية، أي الوجود الإطلاقي اللا بشرط، وهو القطب الكامل الذي يسرى في جميع الموجودات، بل المعدومات و الممتنعات. فإنا قد بينا أن الحقيقة المحمدية سارية في جميع الأعيان الثابتة من الممكنات و الممتنعات. والممكنات منها موجودة في الخارج، ومنها معدومة سيوجد في الدنيا و الآخرة، ومنها معدومة لم يجد ولا يوجد. وهي سارية في القديم والحادث، وحاكمة عليهما كالحقائق الكلية من العلم والقدرة والحياة. وفي الزيارة الجامعة: (وأرواحكم في الأرواح وأجسادكم في الأجساد، وقبوركم في القبور).
مراد از (سريان) ظهور است، إما ظهورا بذاته، أو الظهور في الغير. اين است معناى سريان اصل حقيقت در واجب باعتبار ظهوره في ذاته وشهود ذاته في مجالى أسمائه، ثم الظهور في الأعيان الثابتة. واين است مراد از سريان حق در مقام تجلى فعلى به (فيض مقدس). (ج)
(٤٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 422 423 424 425 426 427 427 432 433 434 435 ... » »»