شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٣٦
من صفاته واسم من أسمائه. وقد عرفت أنه من وجه عينه ومن وجه غيره، فإذا شاهدت ذلك، شاهدته. ومن هنا قال الحسين المنصور الحلاج قدس الله سره:
أنا من أهوى، ومن أهوى أنا * نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته * وإذا أبصرته أبصرتنا (فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرأته في رؤيته أسمائه وظهور أحكامها). وذلك لأن بالوجود تظهر الأعيان الثابتة وكمالاتها، وبالأعيان تظهر صفات الوجود وأسماؤه وأحكام أسمائه لأنها محل سلطنتها. وإليه أشار النبي، عليه الصلاة والسلام، بقوله: (المؤمن مرآة المؤمن). إذا المؤمن من جملة أسمائه تعالى. (وليست سوى عينه) أي، فليست مرآته التي هي عينك غير عينه مطلقا، كما تزعم المحجوب. (فاختلط الأمر وانبهم) أي، فاختلط أمر المرئي و انبهم أنه حق أو عبد، لأن العبد يرى في ذات الحق عينه، والحق يرى في عين العبد أسمائه، وعين العبد حق من وجه، لأنها من جملة أسمائه وأسماؤه عينه.
فانبهم حال المرائي في المرآتين أنه حق أو عبد. (فمنا من جهل في علمه) أي، تحير في التميز بين المراتب حال علمه بها. (فقال: (العجز عن درك الإدراك إدراك) و منا من علم) أي، ميز بينهما. (فلم يقل بمثل هذا وهو أعلى القول). أي، هذا السكوت وعدم القول بمثله أعلى مرتبة من ذلك القول، لأن فيه إظهار العجز.
(بل أعطاه العلم السكوت ما أعطاه العجز) أي، أعطاه علمه بالمراتب أن يسكت ولا يضطرب كما أعطى العلم الآخر العجز. (وهذا هو أعلى عالم بالله) لأنه يعرف المراتب والمقامات ويعطى حق كل مقام في مقامه. (وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء). لأن الإحاطة بجميع المقامات والمراتب، كليها و جزئيها، جليلها وحقيرها، والتميز بينها، لا يكون إلا لمن له الاسم الأعظم ظاهرا وباطنا، وهو خاتم الرسل وخاتم الأولياء. أما خاتم الرسل، فلكون غيره من الأنبياء لا يشاهدون الحق ومراتبه إلا من مشكاته الممدة له من الباطن، و
(٤٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 427 432 433 434 435 436 437 438 439 440 440 ... » »»