شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٣٤
يمكن أن يراه لتقيده وإطلاق الحق وتعاليه عن الصورة المعينة الحاضرة له.
(فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له، أنه ما رآه). ذلك إشارة إلى المرآة، ذكره باعتبار ما بعده وهو (مثالا) كأنه يقول: ذلك مثال أبرزه الله. لذلك قال: (نصبه) ولم يقل: نصبها. أو باعتبار أنها جرم. و (ما) بمعنى الذي. أي، الذي رآه. وهو مفعول يعلم. أو أي شئ رآه. على أنه استفهامية.
(وما ثمة مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي) أي الذاتي. (من هذا) أي من هذا المثال. (وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة). (ما) مصدرية.
أي، عند رؤيتك الصورة فيها. (أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا ألبتة، حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا) جمع المرآة. (ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي و بين المرآة). أي، هي حاصلة بين بصر الرائي وبين المرآة، وهي حاجبة عن رؤية المرآة. (وهذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه و ذهبنا إليه). من أنها مثال، نصبها الحق لتجليه الذاتي حتى ينظر فيها كل من أهل العالم، ولا يرى سوى صورته، فيعلم أن الذات الإلهية لا يمكن أن يرى إلا حين التجلي الأسمائي من وراء الحجب النورانية الصفاتية، كما جاء في الأحاديث الصحيحة: (سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر). وأمثاله. قال الشاعر:
كالشمس يمنعك اجتلائك وجهها * وإذا اكتسب برقيق غيم أمكنا (وقد بينا هذا في الفتوحات المكية) ذكر (رض) في الباب الثالث والستين من الفتوحات المكية، في معرفة بقاء النفس في البرزخ بين الدنيا والآخرة لتعرف حقيقة البرزخ وقال: (إنه حاجز معقول بين متجاورين، ليس هو عين أحدهما وفيه قوة كل منهما كالخط الفاصل بين الظل والشمس. وليس إلا الخيال كما يدرك الإنسان صورته في المرآة ويعلم قطعا أنه أدرك صورته بوجه، وأنه ما أدرك صورته بوجه، لما يراها في غاية الصغر لصغر جرم المرأة والكبر لعظمه. ولا يقدر أن ينكر أنه رأى صورته، ويعلم أنه ليس في المرآة صورة، ولا هي بينه وبين المرآة، فليس بصادق ولا كاذب في قوله: إنه رأى صورته ما رأى صورته. فما تلك
(٤٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 427 432 433 434 435 436 437 438 439 ... » »»