شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٢٧
قال بعضهم:
أنا الموجود والمعدوم والمنفي والباقي * أنا المحسوس والموهوم واللاقي والراقي أنا المحلول والمعقود والمشروب والساقي * أنا الكنز، أنا الفقر، أنا خلقي وخلاقي فلا تشرب بكأساتي ففيها سم أحداقي * ولا تطمع ولوجا فهو مسدود بأغلاقي يعنى، أن يشرب كل أحد بكأسه، وهو التوحيد، إذ فيه سم عيونه وأحداقه، وهي الأنظار الدقيقة. فإذا اختار المبتدي ذلك، قتل بسيف سياسة الشرع، أو قتل بسيف ملامة الزندقة:
نكتهها چون تيغ ألماس پولاد است تيز * چون ندارى تو سپر واپس گريز ولا تطمع... أي، لا تطمع الدخول في حرم ذلك المقام بدون تطهير القلب عن أرجاس الإمكان، فإنه بيت الله الحرام:
غسل در أشك زدم كاهل طريقت گويند * پاك شو اول پس ديده بر آن پاك انداز و (الأغلاق)، هي التعينات الإلهية التي في السفر الثاني من الأسفار الأربعة. وكأنا قد خرجنا عما كنا بصدد بيانه.
قال تعالى: (عالم الغيب، فلا يظهر غيبه على أحد إلا من ارتضى من رسول). وإليه أشار النبي، صلى الله عليه وآله، في دعائه بقوله: (أو استأثرت به في غيبك). قيل: وهي داخل تحت الاسم (الأول) و (الباطن) بوجه. أقول: هذا الوجه هو الذي قلنا: الاسم مع كونه هو الذات مع الصفة، ينقسم إلى أسماء الذات، وأسماء الصفات، واشتمال الذات على الصفات بكونها عينها، لأنها شؤونه الذاتية، ولا تعلق لهذه المفاتيح بالأكوان. قال الشيخ في فتوحاته المكية: (وأما الأسماء الخارجة عن الخلق والنسب، فلا يعلمها إلا هو، لأنه لا تعلق لها بالأكوان).
فلنرجع إلى إتمام أمر التجلي: فالتجلي إما أن يكون موجبا لفناء المتجلى له، أو لا يكون.
والأول كالتجلي بالوحدة والقهارية، كما قال تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض). وقال: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار). أي، إذا تجلى الحق في صور من في السماوات والأرض، فصعقوا واستهلكوا ولم يبق لهم اثر ويقول:
(لمن الملك اليوم) ويجيب عن نفسه: (لله الواحد القهار). وحينئذ لا شاهد ولا مشهود إلا نفسه تعالى، وليس كلامنا فيه. والثاني، إما تجلى ذاتي، أو أسمائي. فإن كان أسمائيا، كالتجلي باسمه (العليم)، يشاهد السالك إليه ذاته الأقدس من وراء ذلك التجلي العلمي. والعلم حجاب الله الأكبر، بمعنى أنه مظهره والمظهر حجاب الذات. و (الأكبر) صفة الله، أو صفة العلم: فإن كان صفة الله فلا إشكال، وإن كان صفة للعلم، معناه: أنه حجاب أكبر من سائر الحجب في العظمة والشرافة، لا في الستر والغلظة. وذلك لأن كل صفة يظهر موصوفه للموصوف بجميع الأوصاف، فيظهره بوجه ويحجبه بوجه. وإن كانت الصفة (الألوهية) والمتجلي اسم (الله) الجامع لجميع الأوصاف، يظهره بعدة اتصافه لا بشدتها، فإن الشدة أن يكون كل صفة عين جميع الأوصاف وعين الذات أيضا، ولا يتجلى صفة بتلك الصفة، لأنا قد قلنا إن الأسماء المستأثرة لا تعلق لها بالأكوان، ولا يعلمها إلا هو. وبذلك يندفع إشكال قوى، وهو أن الإنسان الكامل مظهر لاسم (الله) الجامع لجميع الأسماء، فإذا تجلى له ربه بصورة اسمه الجامع يجب أن يشاهده بجميع كمالاته، لا بصفة دون صفة، فكيف لا يراه وكيف يمتنع رؤيته؟ ولم يكن المانع إلا حيطته، والكامل مظهر الحيطة. والجواب، أن الكامل مظهر عدة كمالاته لا شدتها، وشدة كمالاته لا مظهر لها، وليس يمكن أن يكون لها مظهر. كيف، والمظهر دون الظاهر، و التجلي دون المتجلي وإن كان ذاتيا، كما إذا تجلى للمتجلى له باسمه (القدوس)، مثلا، فحينئذ لا يرى المتجلى له سوى ذات القدوس. فذلك المرئي إما أن يكون عين ذاته الأقدس الواجب وجوده وقد تنزل عن مرتبته إلى مرتبة المتجلى له، أو تصاعد المتجلى له في مرتبة تلك الذات المتجلية بذاته ويشاهده، وقد علمت بطلانهما، وإما أن يكون المتجلي يتنزل مرتبته من أن يتغير ذاته ويتجافى في مرتبته، وحينئذ يكون على صورة غير صورة نفس ذاته المطلقة وعلى تنزل عن درجته، ولا صورة زائدة على ذاته لذاته، ليكون على تلك الصورة، ولا يتجلى إلا بصورة يستعد المتجلى له لها، ولا بد من أن يكون المتجلى له طاهرا مطهرا عن الأدناس والأرجاس ومن العوارض الغيرية، فلا صورة له إلا صورة عينه الثابتة، فلا محالة يتجلى تلك الصورة، والحق المتجلي بصورة عين من الأعيان الثابتة نفس ذلك العين الثابت، لأن العين الثابت هو الحق المتجلي بصورته، فيكون المتجلي عين المتجلى له، فما يرى المتجلى له إلا عينه الثابت فيما يرى الحق المطلق ويرى عينه الثابت.
فالمرئي في التجلي الرائي عين المتجلى له. فافهم وتبصر قول المصنف: (والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له، غير ذلك لا يكون). فظهر أيضا معنى قوله: (فإذا المتجلى له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، ولا يمكن أن يراه).
قوله: (مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه كالمرآة). بيان حال الكامل المتجلى له، فإنه إذا رأى عينه الثابت، يعلم أن ما رآه عينه الثابت، ويعلم أنه رأى ذلك العين بالتجلي الذاتي الإلهي وما يرى الذات الإلهية. مثاله في الشاهد المرآة، وقد بينه الشيخ، قدس سره، ومثال آخر له في العقل، الماهية والوجود المطلق: فإن الماهية هو الوجود الخاص في العين والخارج، والوجود الخاص ليس سوى الوجود المطلق المتعين بذلك التعين المسمى بالإنسان، مثلا، وأنت ترى الإنسان في الوجود المطلق ولا ترى الوجود المطلق. فافهم و تبصر، وفقك الله بفهمه. (من حضرة الأستاذ العارف، آقا محمد رضا قدس الله نفسه) قد تمت بعون الله على يد أقل مظاهر الله، سيد على أكبر بن سيد عبد الحسين بن سيد محمد صادق الطباطبائي، قدس الله روحه، في ليلة الأحد من شهر ربيع الثاني 1312 - هزار وسيصد ودوازده.