شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٢٤
فإن الذي يعلمه مفصلا. (يعلم ما في علم الله فيه) أي، في شأن العبد من أحوال عينه الثابتة. وذلك يكون (إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به) أي، بأن يلقيه في روحه وقلبه ويعلمه بأن عينه الثابتة يقتضى هذه الأحوال المعينة من غير أن يطلعه على عينه كشفا. (وإما بأن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى) فيشاهدها ويطلع عليها وعلى لوازمها وأحوالها التي يلحقها في كل مقام ومرتبة. فإن كان عينه مظهرا للإسم الجامع الإلهي، كعين نبينا وعين خاتم الأولياء صلوات الله عليهم، كان مطلعا بجميع الأعيان من عين اطلاعه على عينه لإحاطة عينه بها، كإحاطة الاسم الذي هو مظهره بالأسماء كلها. وإن كان قريبا منه في الإحاطة، كان مطلعا على حسبه. وإن لم يكن له إحاطة أصلا، لا يطلع إلا على عينه فقط. (وهو أعلى، فإنه يكون في عينه بنفسه بمنزلة علم الله به، لأن الأخذ من معدن واحد) وهو العين المعلومة. أي، كما يتعلق علم الله به فيعلمه، كذلك يتعلق علم هذا الكامل به فيعلمه، إلا أن الفرق حاصل بين العلمين: بأن علم الله به لذاته لا بواسطة أمر آخر غير ذاته، وعلم العبد بعينه و أحوالها حينئذ بواسطة العناية من الله في حقه. وهذا معنى قوله: (إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له، هي من جملة أحوال عينه الثابتة، يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك، أي على أحوال عينه) (7) وهذا نهاية مقامات المكاشفين في السفر الثاني. بين أولا أحوال السائلين مبتدءا من مقام المحجوبين متدرجا إلى غاية مقام المكاشفين.
واعلم، أن العناية الإلهية من وجه ينقسم على قسمين: قسم ما يقتضيها العين الثابتة باستعدادها، فيكون العناية تبعا لها، وقسم يقتضيها الذات الإلهية لا العين الثابتة، وإن كان الكل راجعا إليها. وأما الأول، فهو بحسب فيضه المقدس المترتب على الأعيان وأحوالها واستعداداتها. وأما الثاني، فهو بحسب الفيض الأقدس الجاعل لها ولاستعداداتها. فهذه العناية متبوعة، إذ الفيض

(7) - أي، بعد وجوده لا قبله، كما علم الله منه قبل وجوده. (ج)
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 427 432 ... » »»