ومنع علمه هذا أن يسألوا من الله شيئا، واشتغلوا بتطهير المحل عن درن التعلقات بالأمور الفانية وقطع العلائق، لتكون مرآة قلوبهم طاهرة مجلوة بحيث يظهر فيها أعيان الحقائق ويقبل ما يرد من الحق عليها من التجليات، ويبقى الوارد على طهارته ولا ينصبغ بصبغ المحل، فيفيد غيبتهم عن نفوسهم وأغراضهم، فيفنوا في الحق ويبقوا ببقائه.
(ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها) أي، وجود تلك العين. (ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطته عينه من العلم به، وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل. وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر). قيل: إن حضرة الأعيان هي الروح الأول، وهو نوع منشعب إلى أرواح فائتة للحصر منها أرواح الكمل من نوع الإنسان، وهي حقائق روحانية متمايزة كل روح منها، منتقش بكل ما يجرى عليه من الأزل إلى الأبد، وهي المسماة ب (الأعيان الثابتة). هذا وإن كان من حيث انتقاش العقل الأول بصورة كل ما تحته من الحقائق الكلية الممكنة حقا، لكن الروح الأول أيضا عين متصفة بالثبوت قبل الوجود، فالحضرة التي هي ثابتة فيها هي التي جميع الأعيان ثابتة فيها قبل وجودها، لأن الكل في كونها موصوفة بالعدم الخارجي والثبوت العلمي مشترك. والحق ما بينا من قبل: إن لله تعالى أسماء هي مفاتيح الغيب، ولها لوازم تسمى بالأعيان الثابتة. وكلها في غيب الحق تعالى وحضرته العلمية، وليست إلا شؤونه وأسمائه الداخلة في الاسم الباطن. فلما أراد الحق تعالى إيجادهم ليتصفوا بالوجود في الظاهر، كما اتصفوا بالثبوت في الباطن، أوجد هم بأسمائه الحسنى. وأول مراتب إيجادهم إجمالا في الحضرة العلمية الإلهية التي هي الروح الأول ليدخلوا تحت حكم الاسم الظاهر ويتجلى عليهم أنواره، فهو مظهر للحضرة العلمية، كما أنه مظهر للقدرة الإلهية. وهذه الأعيان، هي التي يتعلق علم الله بها، فيدركها على ما هي عليها ولوازمها وأحكامها. وقد بينا أن العلم في المرتبة (الأحدية) عين الذات مطلقا، وفي (الواحدية) التي هي حضرة الأسماء و