عليه، لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه) (139) وإنما حصر الفارق في افتقارنا و غناه، لأن غيرهما أيضا عائد إليهما، سواء كان وجوديا أو عدميا. (فبهذا صح له الأزل والقدم (140) الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم، فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول) أي، بسبب هذا الغناء صح له أن يكون أزليا وأبديا و قديما في ذاته وصفاته.
وإنما وصف (الأزل) و (القدم) بقوله: (انتفت عنه الأولية) بمعنى (افتتاح الوجود عن العدم) لأن الأعيان والأرواح أيضا أزلية، لكن أزليتها وقدمها زمانية لا ذاتية، وأزلية الحق ذاتية، لغنائه في وجوده عن غيره. فانتفت (الأولية) منه بمعنى افتتاح الوجود عن عدم، فلا تنسب إليه الأولية بهذا المعنى، كما تنسب به إلى الأرواح والأعيان. كما قال، صلى الله عليه وسلم: (أول ما خلق الله العقل).
أي، أول ما افتتح من العدم إلى الوجود العقل، لكونه مسبوقا بالعدم الذاتي، وإن كان غير مسبوق بالعدم الزماني. بل ينسب (الأولية) إليه بمعنى آخر وهو كونه (مبدأ) كل شئ، كما أن آخريته عبارة عن كونه منتهى كل شئ ومرجعه، أو كونه في مقام أحديته بحيث لا شئ معه، كما قال، عليه السلام: (كان الله ولم يكن معه شئ). وهذا المعنى يجتمع مع الآخرية. لذلك قال الجنيد، قدس الله روحه، عند سماعه لهذا الحديث: (والآن كما كان). أي، لم يتغير هذا المقام عن حاله، وإن كان في المرتبة الواحدية معه أسماء وصفات وأعيان ثابتة للأكوان. ويظهر هذا المقام للعارف عند التجلي الذاتي له، لتقوم قيامته الكبرى فيفنى ويفنى الخلق عند نظره، ثم يبقى ويشاهد ربه بربه. رزقنا الله وإياكم.