شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٩٤
الناس. وقد يكون من الصفات الانفعالية كما يقول: حصل في قلبي هيبة من السلطان. أي دهشة وحيرة من عظمته (145) وكذلك (الأنس) بالنسبة إلى من هو أعظم مرتبة منك وإلى من هو دونك في المرتبة. فإن الأول يوجب الانفعال، و الثاني يوجب الفعل، لأن الأنس رفع الدهشة والهيبة. ففي الصورة الأولى صاحب المرتبة الأعلى يرفع منك الدهشة، وفي الثانية أنت رافعها من غيرك. و الهيبة من (الجلال) والأنس من (الجمال).
(فعبر عن هاتين الصفتين) أي، الجمال والجلال. (باليدين) مجازا. إذ بهما يتم الأفعال الإلهية وبهما تظهر الربوبية، كما باليدين يتمكن الإنسان من الأخذ والعطاء، وبهما تتم أفعاله. (اللتين توجهتا منه) أي، من الحق. (على خلق الإنسان الكامل) كقوله تعالى: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟) و خلقه بيديه عبارة عن الاستتار بالصورة الإنسانية وجعله متصفا بالصفات الجمالية والجلالية. (لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته) أي، لكون الإنسان جامعا لحقائق العالم التي هي مظاهر للصفات الجمالية والجلالية كلها، وهي الأعيان الثابتة التي للعالم. والمراد بالمفردات الموجودات الخارجية. فكأنه يقول:
لكون الإنسان جامعا لجميع الأعيان الثابتة بعينه الثابتة ولجميع الموجودات الخارجية بعينه الخارجية، فله أحدية الجمع علما وعينا (146) وقد مر، في

(145) - و (الخشية) ناشئة عن مشاهدة عظمة الله، و (الخوف) مسبب عن عدم الإطاعة و المخالفة، ولذا قال: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). (ج) (146) - قوله: (لحقائق العالم). الحقائق هي الأعيان والأسماء بأحدية جمعها، و المفردات هي هما باعتبار الكثرة والتفصيل. فالإنسان الكامل له أحدية الجمع للأسماء والأعيان، وبهذا المقام له مظهرية الحضرة الأحدية الجامعة وله مقام الكثرة التفصيلية، وبه يكون مظهرا للحضرة الواحدية. (الإمام الخميني مد ظله)
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»