شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٩٥
المقدمات، من أن أعيان العالم إنما حصلت في العلم من تفصيل العين الثابتة الإنسانية.
واعلم، أن للعالم اعتبارين: إعتبار أحديته، واعتبار كثرته. فباعتبار أحديته الجامعة يسمى بالإنسان الكبير، وباعتبار كثرة أفراده ليس له الأحدية الجامعة كأحدية الإنسان، إذ لكل منها مقام معين. فلا يصح أن يقال، ليس للعالم أحدية الجمع مطلقا. كيف لا؟ وهو من حيث المجموع صورة الاسم الإلهي كما للإنسان، لذلك يسمى بالإنسان الكبير، إلا أن يراد به أفراده.
(فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولهذا تحجب السلطان) أي، العالم ظاهر والخليفة باطن. وإنما أطلق (الشهادة) عليه، مع أن بعضه غيب كعالم الأرواح المجردة، مجازا بإطلاق اسم البعض على الكل. فالمراد ب‍ (العالم) هنا العالم الكبير الروحاني والجسماني، لأنه صورة الحقيقة الإنسانية وهي غيبه. ولما كان الإنسان الكامل مظهرا لكمالات هذه الحقيقة وخليفة ومدبرا للعالم، جعله غيبا باعتبار حقيقته التي لا تزال في الغيب وإن كان الخليفة موجودا في الخارج. وكون الخليفة غيبا أيضا اتصاف بصفة إلهية، فإن هويته لا تزال في الغيب. وإنما جعلنا الخليفة غيب الأرواح أيضا، لأن ما يفيض على العقل الأول وغيره من الأرواح أيضا إنما هو بواسطة الحقيقة الإنسانية لأنه أول مظاهرها، كما قال، صلى الله عليه وسلم:
(أول ما خلق الله نوري). أي، نور تعيني وحقيقتي الذي هو العقل الأول (147) الذي ظهر في عالم الأرواح أولا. ولا شك أن المظهر مربوب لما ظهر فيه، وإن كان باعتبار آخر هو يرب ما دونه من الأرواح وغيرها، لذلك يبايع القطب هو ومن دونه ويستفيد منه.

(147) - وحقيقتي التي هي العقل الأول... (ج)
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»