نسبت إلينا، فعند الرجوع إلى أصلها تفنى فيه، كفناء القطرة في البحر وذوبان الجليد في الماء، فلا ينعدم أصلا، بل ينعدم تعينها وتستهلك في التعين الذاتي الذي منه تفرعت التعينات، لأن أصله كان عدما، فيرجع إلى أصله. لذلك قيل: (التوحيد إسقاط الإضافات).
وقد يحصل رجوع الأمر إليه قبل القيامة الكبرى بالقيامة الدائمة المشاهدة للعارفين. وهو نوع من أنواع القيامات. وذلك لأن الحق تعالى في كل آن يخلق خلقا جديدا، كما قال: (بل هم في لبس من خلق جديد). ويمد الأكوان بأنواع التجليات الذاتية والصفاتية، ويصل ذلك الفيض إلى الإنسان الذي هو آخر الموجودات، ثم يرجع منه بالانسلاخ المعنوي إلى ربه. وقد جاء في الحديث أيضا: (إن ملائكة النهار ترجع إلى الحضرة عند الليل، وملائكة الليل ترجع إليها عند النهار، ويخبرون الحق بأفعال العباد وهو أعلم بها منهم). وإذا كان الأمر كذلك، فهو أول في عين آخريته وآخر في عين أوليته. وهما دائمتان أزلا وأبدا.
قوله: (ثم ليعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر وباطن) مزيد بيان لما مر من أن الحق تعالى خلق آدم على صورته وكمالاته، ليستدل بها عليه ويتمكن السالك من الوصول إليه. (فأوجد العالم) أي، العالم الإنساني. وإن شئت قلت العالم الكبير لأنه أيضا صورة الإنسان، لذلك يسمى بالإنسان الكبير. و الأول أنسب بالمقام، إذ المقصود أن الإنسان مخلوق على صورته لا العالم.
(عالم غيب وشهادة) أي، عالم الأرواح والأجسام. (لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا). هذا دليل على أن المراد ب (العالم) هو العالم الإنساني. أي، لندرك عالم الباطن، وهو عالم الجبروت والملكوت، بروحنا وقلبنا وقوانا الروحانية، وندرك عالم الظاهر بأبداننا ومشاعرنا وقوانا المنطبعة فيها. أو ندرك غيب الحق من حيث أسمائه وصفاته لا من حيث ذاته، فإنه لا يمكن لأحد معرفتها، إذ لا نسبة بينها وبين غيرها من العالمين بغيبنا، أي بأعياننا لغيبته، و ندرك ظاهره وهو مظاهر تلك الأسماء الغيبية من العقول والنفوس وغيرهم من (*)