شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٤٩
يقتضى العموم والإحاطة، إذ لو لم تكن نشأته محيطة بها، لكانت على منوال واحد و نسق معين كغيره من الموجودات. وأيا ما كان سمى الإنسان إنسانا، لهذه المناسبة الجامعة بين الاسم والمسمى.
وثانيهما، أنه للحق بمنزلة إنسان العين (41) من العين الذي يحصل به النظر، وهو الذي يعبر عنه بالبصر (42) وكما أن إنسان العين (43) هو المقصود والأصل من

(٤١) - يعنى، كما أن العين لا يصدر عنها الإبصار إلا بالقوة الباصرة المسماة بإنسان العين، فكذا لا ينظر الله تعالى إلى العالم إلا بالإنسان تشبيها له بالباصرة. وكذلك الأذن الواعية للنفس الناطقة إذا توجهت لاستماع الأصوات الحسية عن خارج جعلت له الصماخ آلة ليوصل إليه الهواء المكيف بالصوت، كذلك جعل الله في العالم الكبير أشخاصا نورية اصطفاهم لنفسه ليكونوا له أذنا واعية فيسمع بهم ضجيج عباده ودعواتهم، وكذلك يسمع بهم ما يكلم مع أنبيائه وأوليائه، ويسمع بهم مناجاتهم وما أجيبوا في رسالاتهم عن العباد من قبول الدعوة وإنكارها. وهكذا في اللسان، حيث إن النفس في إظهار الجواهر العقلية الكامنة في خزانة ذاتها جعلت هذا اللسان آلة التلفظ بها، فكذلك أختار الله لنفسه تراجمة لوحيه، بهم يتكلم بين عباده ويرشدهم إلى طريق رشاده، فبهم يسمع وبهم يتكلم، فهم لسان الله في أرضه. وبالجملة، هم أبواب التوسل إليه لكل باب حتى أن قبول توبة آدم و نجاة إبراهيم عن النار والتكلم مع موسى في الطور ومع العيسى في المهد بواسطتهم، فهم على صورة الاسم الله يحكون عنه ما يحكى البدن عن أنوار النفس وقواها. وبالجملة، فالإنسان الكامل الذي هو حقيقة المحمدية وأشعتها هو الذي يظهر بتمام الصور من الدرة إلى الذرة والآدم إلى الخاتم. قد عبر الشيخ - في فتوحاته في بيان معرفة الهباء - عن على، عليه السلام، بأقرب الناس إلى رسول الله، إمام العالم، وسر الأنبياء والأولياء أجمعين.
(ج) (٤٢) - يعنى، أنه كما أن صفة إبصاره للنفس تستدعى موضوعا قابلا به يبصر النفس الأشياء ببروزها إلى موطن الحس، كذلك البصير من كمالات المبدء الأول، تعالى شأنه، يطلب مظهرا قابلا لظهور أحكامه وبه ينظر بالرحمة إلى عباده، فذلك مظهر بالنظر إليه تعالى كالعين للإنسان، بل هو عين إنسان وإنسان عين الأعيان. (ج) (٤٣) - قوله: (وكما أن إنسان العين...). ليس مقصود الشيخ ما ذكره الشارح، فإنه على ذلك تمثيل بعيد. بل منظوره أن الإنسان مرآة مشاهدة الأشياء، فالحق به ينظر إلى الخلق كما أن العين بإنسانها ينظر إلى الموجودات. وأما ما ذكره من كونه إشارة إلى نتيجة قرب الفرائض فحق، وأما نتيجة قرب الفرائض والنوافل فليست كما ذكرها، بل الفناء الذاتي أيضا من قرب النوافل. والتفصيل لا يليق بالمقام. (الإمام الخميني مد ظله) - ولعمري إن المقام مقام البسط والإفاضة وإفشاء الأسرار. واما ما ذكره مد ظله:
(بل الفناء الذاتي...). ويجب أن يعلم أن ما دام ذات الحق باقية بوجه من الوجوه لا يحصل الفناء الذاتي، والفناء الذاتي إنما يحصل بفناء ذات العبد بحيث لا يبقى له ذكره وينمحي رسمه، وهذا إنما يتصور فيما لا يفرض للعبد إرادة. ومعنى النوافل ملاحظة إرادة العبد وحسن متابعة إرادته لإرادة الحق لإفنائها في إرادة سلطان الوجود. وصرح الإمام، مد ظله، في تعاليقه أن فناء الذاتي من لوازم قرب الفرائض، وأشكل على أستاذه المبرور حيث جعله (ره) الفناء الذاتي نتيجة قرب الفرائض ويجب أن نراجع إلى أصل تعاليقه على الكتاب. (ج)
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»