شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٦١
الدنيا ما اختزنه الحق فيها من الكمالات.
فان قلت: الكامل ختم حافظ للخزائن، ولا يلزم من انتقال الختم الحافظ انتقال الخزائن، فكيف قال: (ولم يبق فيها ما اختزنه الحق)؟
قلت: الكامل ختم للخزائن وحافظ لوجودها، إذ الأسرار الإلهية مفصلة في العالم ومجموعة في الكامل، كما قال الشاعر:
كل الجمال غدا لوجهك مجملا * لكنه في العالمين مفصلا ولا يتجلى الحق على العالم الدنيوي إلا بواسطته، كما مر، فعند انتقاله ينقطع عنه الإمداد الموجب لبقاء وجوده وكمالاته، فينتقل الدنيا عند انتقاله ويخرج ما كان فيها من المعاني والكمالات إلى الآخرة. قال، رضى الله عنه، في التسمية الإلهي بالاسم الرباني (68): (أ لا ترى الدنيا باقية ما دام هذا الشخص الإنسان فيها) و الكائنات يتكون والمسخرات تتسخر، فإذا انتقل إلى الدار الآخرة، مارت هذه السماء مورا (69) وسارت الجبال سيرا (69) ودكت الأرض دكا، وانتشرت الكواكب وكورت الشمس وذهبت الدنيا وقامت العمارة في الدار الآخرة بنقل الخليفة إليها.
قوله: (والتحق بعضه ببعض) أي، التحق بعض ما اختزنه الحق في الدنيا ببعض ما اختزنه في الآخرة. وذلك لأن كل ما هو موجود في الظاهر من الحقائق و المعاني موجودة في عالم الباطن الذي بظهوره يحصل الآخرة على صورة يقتضيها عالمها، (70) وهو أصل بالنسبة إلى ما في الظاهر. فإذا انتقل هذا البعض منها، التحق ببعضه الذي هو أصله في الآخرة، وانتقل الأمر الإلهي إليها.
(فكان ختما) أي، هذا الكامل كان ختما حافظا على خزانة الآخرة ختما

(68) - في الفتوحات في باب تسمية الاسم الإلهي. (ج) (69) - أي، تضطرب. وتسير الجبال هباء منبثا. (ج) (70) - فإن كانت الآخرة مثالا فبالشكل والمقدار، وإن كانت عقلا فبالصورة دون المقدار. (ج)
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 ... » »»