شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٣٨
الكلية، ثم الهيولى الجسمية، ثم العرش، ثم الكرسي والسماوات السبع منحدرا من المراتب الكلية إلى الجزئية، إلى أن ينتهى إلى الإنسان منصبغا بأحكام جميع ما مر عليه، في آن واحد من غير تخلل زمان، كذلك إذا انتهى إليه وانصبغ بأحكام الغالبة عليه، ينسلخ منه انسلاخا معنويا ويرجع إلى الحضرة الإلهية.
فإن كان المنتهى إليه من الكمل، فالنازل يكون قد تم دائرته وصارت آخريته عين أوليته لأنه مظهر المرتبة الجامعة الإلهية، وإن كان من السائرين الذين قطعوا بعض المنازل والمقامات، أو الباقين في أسفل السافلين والظلمات، فيكون قطع نصف الدائرة أو أكثر، ثم انسلخ ورجع إلى الحضرة بالحركة المعنوية. فمعنى قوله: (وإليه يرجع الأمر كله) أي، إلى الله يرجع الأمر التجلي الإلهي النازل كل لحظة إلى العالم الإنساني، كما ابتدأ منه.
قوله: (فاقتضى (24) الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة و روح تلك الصورة). رجوع إلى ما كان بصدد بيانه، أو جواب (لما) والفاء للسببية. أي، بسبب أن الحق أوجد العالم وجود شبح لا روح فيه وكان كمرآة غير مجلوة، اقتضى الأمر الإلهي جلاء مرآة العالم ليحصل ما هو المقصود منها، وهو ظهور الأسرار الإلهية المودعة في الأسماء والصفات التي مظهر جميعا الإنسان إجمالا وتفصيلا. وكان آدم، أي الإنسان الكامل، عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، إذ بوجوده تم العالم وظهر أسراره وحقائقه. فإن ما في العالم موجود ظهر له حقيقته وحقيقة غيره بحيث إنه علم أن عين الأحدية هي التي ظهرت و صارت عين هذه الحقائق إلا الإنسان. وإليه الإشارة بقوله: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض) أي، على أهل السماوات والأرض من ملكوتها و جبروتها. (فأبين أن يحملنها) حيث ما أعطيت استعداداتهم تحملها. (وحملها الإنسان) لما في استعداده ذلك. (إنه كان ظلوما جهولا). أي، ظلوما على نفسه

(24) - (فاقتضى) جواب (لما)، و (الفاء) لبعد العهد. أي، اقتضى الأمر المذكور من المشية و التسوية وكون شأن الحكم الإلهي ما ذكر. (جامى)
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»