يعرف من هذه الحقائق شيئا، لأنها لا تفيد إلا إثبات الأمور الخارجية عنها اللازمة إياها لزوما غير بين. والأقوال الشارحة لا بد وأن يكون أجزاؤها معلومة قبلها إن كان المحدود مركبا، والكلام فيها كالكلام في الأول. وإن كان بسيطا لا جزء له في العقل ولا في الخارج، فلا يمكن تعريفه إلا باللوازم البينة، فالحقائق على حالها مجهولة. فمتى توجه العقل النظري إلى معرفتها من غير تطهير المحل من الريون الحاجبة إياه عن إدراكها، كما هي، يقع في تيه الحيرة وبيداء الظلمة ويخبط خبطة عشواء. وأكثر من أخذت الفطانة بيده وأدرك المعقولات من وراء الحجاب لغاية الذكاء وقوة الفطنة من الحكماء زعم أنه أدركها على ما هي عليه، ولما تنبه في آخر أمره، إعترف بالعجز والقصور. كما قال أبو على عند وفاته عن نفسه:
يموت وليس له حاصل * سوى علمه أنه ما علم وقال أيضا:
إعتصام الورى بمغفرتك * عجز الواصفون عن صفتك تب علينا فإننا بشر * ما عرفناك حق معرفتك وقال الإمام:
نهاية إدراك العقول عقال * وغاية سعى العالمين ضلال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جمعنا فيه قيل وقال وأما الذات الإلهية فحار فيها جميع الأنبياء والأولياء، كما قال، صلى الله عليه و سلم: (ما عرفناك حق معرفتك) و (ما عبدناك حق عبادتك). وقال أبو بكر، رضى الله عنه: (العجز عن درك الإدراك إدراك) (37) وقال آخر: