هي حقيقة هذا النوع الإنساني في الحضرة العلمية، فوجدت حقائق العالم كلها بوجودها، وجودا إجماليا، لاشتمالها عليها من حيث مضاهاتها للمرتبة الإلهية الجامعة للأسماء كلها، ثم أوجدهم فيها وجودا تفصيليا، فصارت أعيانا ثابتة، كما تقرر في موضعها. وإما في العين بحسب وجوداتهم: فلأنه جعل الوجود الخارجي مطابقا للوجود العلمي بإيجاد العقل الأول الذي هو النور المحمدي المعرب عنه: (أول ما خلق الله نوري) (50) أولا، ثم غيره من الموجودات التي تضمنها العقل الأول وعلمها ثانيا. وإما بحسب كمالاتهم: فلأنه جعل قلب الإنسان الكامل مرآة التجليات الذاتية والأسمائية ليتجلى له أولا، ثم بواسطته تجلى للعالم، كانعكاس النور من المرآة المقابلة للشعاع إلى ما يقابلها، فأعيانهم في العلم والعين وكمالاتهم إنما حصلت بواسطة الإنسان الكامل (51) وأيضا، لما كان الإنسان مقصودا أوليا ووجوده الخارجي يستدعى وجود حقائق العالم، أوجد أجزاء العالم أولا ليوجد الإنسان آخرا، لذلك جاء في الخبر:
(لولاك لما خلقت الأفلاك). وهذا الشهود الأزلي، والإيجاد العلمي والعيني عبارة عن النظر إليهم وإفاضة الرحمة الرحمانية المجملة والرحيمية المفصلة عليهم، إذ جميع الكمالات مترتبة على الوجود لازمة له. فالوجود هو الرحمة الأصلية التي يتبعها جميع أنواع الرحمة والسعادة الدنيوية والأخروية.