جميع الأعيان لأنها تفاصيل الحقيقة الإنسانية، كما مر بيانه في المقدمات. ومن حيث النشأة الروحانية الكلية أيضا قبل جميع الأرواح، كما أشار إليه النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (أول ما خلق الله نوري). ومن حيث النشأة الروحانية الجزئية التي في العالم المثالي أيضا من قبيل المبدعات، وإن كان متأخرا عن العقول والنفوس الفلكية تأخرا ذاتيا لا زمانيا، فلا يكون معدوما في الخارج مطلقا، لذلك قيل في حقه قبل نشأته العنصرية: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء). وأخرج من الجنة بالمخالفة لأمر الله تعالى. هذا مع أن صاحب الشهود و المحقق العارف بمراتب الوجود، يعلم أنه موجود في جميع المظاهر السماوية و العنصرية، ويشاهده فيها بالصور المناسبة لمواطنها ومراتبها عند التنزل من الحضرة العلمية إلى العينية ومن العينية إلى الشهادة المطلقة قبل ظهوره في هذه الصورة الإنسانية الحادثة الزمانية، شهودا محققا. ولا يحيط بما أشرنا إليه إلا من أحاط بسر قوله تعالى: (وقد خلقكم أطوارا).
قوله: (وما بقى إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس) (20) تتميم لما ذكره. لأن القابل الذي يقبل الروح الإلهي هو أيضا يستدعى من يستند وجوده إليه، لأنه بالنظر إلى ذاته معدوم. ولما كان كذلك، بين أنه أيضا مستند إلى الحق تعالى فائض منه، لذلك قال: (والقابل لا يكون) أي، لا يحصل إلا من (فيضه الأقدس) أي، الأقدس من شوائب الكثرة الأسمائية ونقائص الحقائق