شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٥٨
مرة أخرى، ثم عرض له النسيان بواسطة التعلق بنطفة أخرى ومرور الزمان عليه إلى أوان تذكره، كما على رأى أهل التناسخ.
وأيضا، لما كان عينه في الخارج مركبا من العناصر المتأخر عن الأفلاك و أرواحها وعقولها، وجب أن توجد قبله لتقدم الجزء على الكل بالطبع.
قوله: (فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم الذي هو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزائنه (59) وسماه (خليفة) من أجل هذا) شروع في بيان تسميته ب‍ (الخليفة). شبه حال الإنسان باعتبارية:
إعتبار كونه من العالم، واعتبار كونه عالما آخر برأسه، له شأن آخر بالفص، لأن الفص أيضا قد يكون جزء من الخاتم وهو محل النقش، وقد يكون مركبا عليه. وإنما يركب في الخاتم ليكون جزء منه عند الفراغ من عمله فهو آخر العمل، كذلك الإنسان نوع من الحيوان وآخر ما ينتهى به دائرة وجود العيني. وكما أن الفص له شأن آخر وهو كونه محل النقوش التي بها يختم ويحفظ الخزائن، كذلك الإنسان هو محل جميع نقوش الأسماء الإلهية والحقائق الكونية التي يتمكن بها من (الخلافة). وبهذا الاعتبار سماه الحق (خليفة) بقوله: (إني جاعل في الأرض خليفة) (60) قوله: (لأنه الحافظ خلقه كما يحفظ بالختم الخزائن، فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه. فاستخلفه في حفظ العالم (61)، فلا يزال العالم محفوظا

(59) - أي، لأن نقش اسمه الأعظم، وهو الذات مع الأسماء، كلها منقوش في قلبه الذي هو فص الخاتم، فيحفظ به خزانة العالم بجميع ما فيه على النظام المعلوم والنسق المضبوط.
(ق) (60) - واعتبر كمالك في نفسك، فإن كل ما يظهر على جوارحك التي هي عالم كونك وشهادتك من القول والفعل، له وجود في روحك التي هي ما وراء غيب غيبك، ثم في غيب غيبك، ثم في نفسك التي هي غيبك الأدنى وسماؤك الدنيا، ثم يظهر على جوارحك. و (الجعل) أعم من الإبداع والتكوين، فلم يقل (خالق) لأن الإنسان مركب من العالمين. (ج) (61) - من الخلل الذي يقتضيه التفرقة والمباينة التي في حقائق العالم من الخصوصيات التي بها يتميز بعضها عن البعض. والإنسان الكامل يكون كالختم لئلا يفتحها مسلطو تلك التفرقة والمباينة عليها. واقتضاء التجلي التقلص والانسلاخ عنها. (جامى)
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»