الملكوت، كالنفس الكلية والنفوس المجردة السماوية والعنصرية البسيطة و المركبة، على أن ما في الوجود شئ إلا وله من الجبروت والملكوت عقل ونفس، ومنهم النفوس المنطبعة في الأجرام العلوية والسفلية، ومنهم القوى الجسمانية التي هي سدنة النفوس المنطبعة، ومنهم الجن والشياطين. ولا يطلق القوى إلا على التوابع من القوى الروحانية والنفوس المنطبعة وتوابعها، كما يقال: قوى الروح وقوى القلب. ولا يجعل (القلب) و (الروح) قوة من القوى، لأنهما سيدا جميع المظاهر.
وإنما عبر عن (العالم) في الاصطلاح القوم، أي أهل التصوف، ب (الإنسان الكبير) لأن جميع ما في العالم عبارة عن مجموع ما اندرج في النشأة الإنسانية، كما مر التنبيه عليه من أن أعيان العالم هو تفصيل النشأة الإنسانية، فالإنسان عالم صغير مجمل صورة، والعالم إنسان كبير مفصل. وإنما قيد (صورة) لأن الإنسان هو العالم الكبير مرتبة، والعالم هو الإنسان الصغير درجة، لأن الخليفة مستعلية على ما استخلف عليه.
فقوله: (فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي هي في النشأة الإنسانية) نتيجة لما ذكره. أي، لما كانت الملائكة من بعض قوى صورة العالم و العالم هو الإنسان الكبير، صارت نسبة الملائكة إلى العالم كنسبة القوى الروحانية والحسية إلى الإنسان، فكما أن النفس الناطقة المدبرة للبدن مدبر بالقوى الروحانية التي هي العقل النظري والعملي والوهم والخيال وما شابهها والحيوانية والنباتية كالحواس الخمس الظاهرة والغاذية والنامية والمولدة للمثل وغيرها، كذلك النفس الكلية مدبرة للعالم كله بواسطة الملائكة المدبرة، كما قال تعالى:
(فالمدبرات أمرا). وهي روحانيات الكواكب السبعة وغيرها من الثوابت و أجرامها.
قوله: (وكل قوة منها محجوبة بنفسها، لا ترى أفضل من ذاتها) أي، كل واحدة من هذه القوى الروحانية سواء كانت داخلية في النشأة الإنسانية أو خارجية منها، محجوبة بنفسها، لا ترى أفضل من نفسها، كالملائكة التي نازعت